الشحاذون لا يعرفون!!
الشحاذون لا يعرفون!!
الجمعة 1/9/2006
ألم يحن الوقت لأن نترك انفعالاتنا جانباً، ونفكر بروية في كيفية معالجة أوجاعنا؟! ألم يحن الوقت لكي نُوثّق مصائبنا، ونؤرّخ قضايانا، لتكون بطاقة تعريف حقيقية للأجيال القادمة، حتّى تعرف ما لها، وتُدرك ما عليها؟!.
بمجرد إعلان الفنان حسين فهمي استقالته من منصبه كسفير لـ”النوايا الحسنة”، لدى هيئة الأمم المتحدة، احتجاجاً على الموقف السلبي لهذه المنظمة الدولية، حول ما جرى من انتهاكات وحشية بحق الشعب اللبناني وداخل فلسطين المحتلة، حتّى انفرطت مسبحة الاستقالات من الفنانين الآخرين، وهو ما أدّى إلى انقسام الناس بين معارض لهذه الاستقالات، كونها تُعبّر عن موقف سلبي، وبين مؤيد لها، على اعتبار أنها تعكس موقفاً مشّرفاً يُحسب لأصحابها.
لفت انتباهي مقال “لم تعد لدينا نوايا حسنة” للدكتور محمد أمين الميداني، يُعلّق فيه على سيل الاستقالات الصادرة عن هؤلاء الفنانين، مظهراً خيبة أمله، آملاً أن يُغيّر العرب أسلوب تفكيرهم، بالتحرر من النمط المألوف الذي اعتادوا عليه طوال ستة عقود، وذلك بأن يتحملوا مسؤولياتهم كلاً من خلال موقعه، مؤكداً على أن أهل الفن لكونهم الأقرب إلى عقول وقلوب الناس من غيرهم، يعني أنهم لا يحق لهم التخلِّي عن هذا المنصب المهم، متسائلاً.. هل كانت الاستقالة هي الحل، أم كان الأفضل القيام من خلاله، بحملات توعية عالمية، لإيقاظ الضمائر النائمة حول ما يقع من مجازر وانتهاكات على يد العدو الصهيوني؟
إننا للأسف إلى اليوم لم نُدرك أهمية الإعلام والفن في نصرة قضايانا، لذا أضمُّ صوتي إلى صوت الدكتور الميداني في وجوب أن يستخدم فنانونا سلاح الفن الجميل، الذي يدخل كل بيت دون محاذير دولية، والذي يقدر أن يتسلل بخفة إلى العقول “دون إحم أو دستور!”.
لقد أثبت المصورون اللبنانيون شجاعة منقطعة النظير، باقتحامهم ساحة القتال بكاميراتهم، غير مبالين بأرواحهم، وقاموا بتصوير الكثير من الصور الفوتوغرافية، التي تمَّ نشرها بالعديد من الصحف العربية والأوروبية، وهو ما أقلق الإسرائيليين ودفعهم إلى التشكيك في مصداقية هذه الصور، وأنها مفبركة لغرض إشعال نيران الضغينة ضدهم، مما يعني أن إسرائيل تعلم أهمية الفن والإعلام في كسب قضيتها أمام الرأي العام العالمي، وفي تثبيت الكثير من المفاهيم الخاطئة التي روّجوها في أنحاء العالم، لكي تظهر بأنها الدولة المعتدى عليها، التي تعيش وسط بؤرة ملوثة اسمها العالم العربي.
لقد عبَّر الكثير من الفنانين بالأغاني عن أحزانهم لما جرى في لبنان، وعمّا يجري داخل فلسطين المحتلة، لكن هذا ليس كافياً. ففي أوروبا وأميركا للفنان مواقف إنسانية لكل ما يقع على الأرض من محن، بل إن فيهم من ذهب إلى أقاصي العالم لمشاركة الناس في مصابهم، وهذا كان جليّاً في نكبة “تسونامي”، التي وقعت في شرق آسيا، حيثُ هبَّ العديد من الفنانين العالميين إلى مساعدة الأسر المنكوبة هناك.
هذا هو دور الفنان الحقيقي، تسجيل موقف حقيقي بالصوت والصورة، وليس بالانزواء في ركن قصي يُفجّر فيه مكنونات انفعالاته بعيداً عن العيون المحدقة به. هذه المواقف السلبية ستجعلنا في نظر الآخرين، أمة لا تُجيد سوى الرقص على ضربات الدفوف، ورفع عقيرتها بالغناء في الليالي القمرية، وكشف عورتها أمام الغرباء، كل هذا من أجل أن تثير شفقة من حولها، ودفع الجميع إلى ذرف الدموع عليها، فالشحاذون لا يعرفون سوى عبارة “لله يا محسنين”.