المثقف ووظيفة الاصطياد!
المثقف ووظيفة الاصطياد!
الجمعة 25/8/2006
يدور جدل بين حين وآخر في الأوساط الاجتماعية، عن الأدوار المفروضة على المثقف الحقيقي، وقد ارتفعت نبرة التساؤل مع الأحداث الدامية، التي أصابت بقاعاً متفرقة من أراضينا العربية، بدءاً بفلسطين، ومروراً بالعراق، وانتهاء بلبنان.
ما المعنى الشمولي للمثقف! هل هو السياسي، أم المفكر، أم العالم، أم الكاتب، أم الصحفي، أم الإعلامي؟! أم أن كلمة مثقف، كلمة مطاطية المضمون، موضوعة تحتها خطوط كثيرة، تجعل المرء يحتار أياً منها الأنسب لصاحبها!! فهل المثقف ذلك الذي يقف طوال الوقت عند الجانب المخالف لرؤى حكومة بلاده، من منطلق خالِف تُعرف، ورغبة في لفت الأنظار نحوه؟! هل هو ذلك الذي يضرب على الدفوف ليلاً ونهاراً، ويرفع يده تحية إعجاب للقرارات العشوائية التي يُعلنها مسؤلوا بلاده، أمام عدسات المصورين؟! أم أن المثقف الحقيقي ذلك الذي يقف على الحياد، ويملك رؤية واضحة، معلناً مواقفه بجرأة تجاه قضايا وطنه وعروبته؟!.
بلاشك أن المواقف المتباينة التي تمَّ التعبير عنها عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، تجعلنا نخرج بقناعة حتمية، أن هناك محسوبين على طبقة المثقفين، قاموا للأسف بالاصطياد في الماء العكر، سعياً لالتهام قطعة من الحلوى، أو رغبة في انتزاع قطعة أثرية من المزاد العلني المفتوح على آخره لمن يُقدِّم تنازلاً أكبر، ومستعداً ليبيع ضميره بالجملة! وهناك من سنّوا حِراب أقلامهم، ودافعوا عن قضايا عروبتهم بحس عروبي خالص، دون أن ينتظروا أن يصفق لهم أحد، من منطلق رغبة دفينة في دواخلهم، في تصحيح واقعهم المخجل. وهناك أيضاً أقلام التزمت الصمت، وغطّت وجهها بوشاح الجبن، وآثرت التواري خلف الظلال، من منطلق الأخذ بالقول السائد.. أريد العيش في سلام!.
تاريخ العالم من أقصاه إلى أدناه، يزخر بهذه النماذج المتباينة في توجهاتها، وستظل معركة الفكر دائرة إلى يوم الدين، وسيبقى الرأي الحر، شوكة في حلوق الانتهازيين، الذين آثروا بيع مبادئهم، وقيمهم، بل وأوطانهم، وانجرفوا وراء أطماعهم الشخصية، وتطلعاتهم الذاتية، وصاروا أبواقاً للسلطة.
الغريب أننا بمداركنا الفطرية، نعلم أن الحصان يجب أن يسير أمام العربة لكي تُوصل صاحبها إلى الدرب الذي يريده. اليوم غدت الكثير من الأقلام، أحصنة بلغت من العمر عتيّاً، راضية التنحي عن أدوارها، والتغاضي عن مهامها، وهذا يعني بأن الفكر لم يعد في مأمن!.
تشويه المبادئ، والتلاعب بالقيم، يُشكِّل خطورة على الأجيال القادمة، التي ستكبر وهي لا تعبأ بمعنى مواجهة، ولا تلتفت لمعنى قوة، ولا تهتم بمعنى قيم. أجيال ستكون أهدافها غارقة حتّى أذنيها في إرواء متعها الذاتية، والنهل من نشوة الحاضر المشوه، دون أن تفكر في تغيير واقعها، ومواجهة الأخطار المحدقة بها! أجيال ستشب على الاستهتار بكرامتها، وعلى الاستهزاء بانتمائها العروبي. أجيال مبهورة بالثقافة الأميركية، منساقة بهوس خلف الوجبات السريعة من ماكدونالد وكنتاكي، إلى صرعات أغاني البوب ومادونا.
هذه للأسف الثقافة السطحية التي يريد أنصاف المثقفين ترويجها بين الأجيال الصاعدة، حتَّى تعيش مخدرة في حاضرها، غير آبهة بمستقبلها. ثقافة الضعف والاستسلام المتجسدة في المثل القول المصري الرائج “غطيني يا صفيه وصوّتي” أضحت هي الشائعة بين أوساط الشباب، لكن تظل هناك بارقة من الأمل في المثقفين الحقيقيين الذين اخذوا على عاتقهم توعية الأجيال الجديدة على الأخطار المحدقة بهم، وحملوا لواء النزاهة والشرف، في محاولات دؤوبة منهم لإصلاح أعطاب مجتمعاتهم، ومواجهة طغيان المفاسد.