متى نودّع الفساد ؟!
متى نودّع الفساد ؟!
الجمعة 28/7/2006
أطلقتُ زفرة طويلة وأنا أقرأ عن تغريم عبد الله بدوي، رئيس وزراء ماليزيا بمبلغ من المال، بسبب مخالفات مرورية تسببت بها السيارات التي يملكها. وقارنت على استحياء بين هذا الخبر، وبين ما يجري على أرضنا العربية من انتهاكات صارخة، وتصرفات خارجة، يقوم بها العديد من المسؤولين وأقربائهم، دون أن يتوقفوا للمساءلة القانونية أو للمحاسبة، حيث أنها في جل بلداننا العربية تعتبر من المحرمات، ولا يخضع أي من أفرادها لقانون “من أين لك هذا”، في الوقت الذي يُحاسب موظف بسيط إذا ثبت تورطه في رشوة صغيرة اضطر لأخذها، لتسديد تكاليف مدارس أولاده، أو لدفع إيجار شقته، أو لصرفها على كسوة أولاده.
هذا لا يعني أنني أبرر الرشوة، ولكن للتأكيد على وجوب أن يكون الجميع سواسية أمام القانون، ولأن الفساد المالي لا يقل خطورة عن الفساد الإداري، بل إن اتساع الهوة داخل المجتمعات الغنية، وتلاشي الطبقة الوسطى التي هي نواة المجتمعات السويّة، يعود إلى تفشّي الفساد، مما أدّى إلى تقلّص فرص العمل، وارتفاع نسب الفقر في البلدان العربية الغنية. إن تفاقم الفساد في أروقة العديد من الحكومات العربية، والتغاضي عمّا يجري داخل الحجرات المغلقة من صفقات مشبوهة، تسبب في رفع أصوات الاحتجاج، وأدى إلى اتساع رقعة القلق داخل النفوس، خاصة أن الفساد قد طال أيضاً ساحة القضاء التي تمثل الجهة الرادعة، والتي من المفترض أن تضرب بيد من حديد على كل يد تسعى إلى خراب المجتمع، والتي من مهامها الرئيسية الدفاع عن المظلومين، ورد الحقوق لأهلها، لكنها أضحت هي الأخرى غارقة في هذا المستنقع حتّى أذنيها، مما يستوجب غربلة سلك القضاء، لمعرفة القاضي النزيه من الأفّاق المرتشي.
قد يُعلّق البعض ويقول… وهل الدول الغربية معصومة من الخطأ، ومنزهة حكوماتها عن كل هذه المخالفات؟!.
بالتأكيد لديهم أخطاء جسيمة، لكن الفرق بيننا وبينهم، أن عندهم شفافية في فضح العيوب، ولا يوجد أحد فوق القانون، وسجلات التاريخ المعاصر، مليئة بمئات القصص التي تتحدّث عن رؤساء ومسؤولين اضطروا للاستقالة حين تمَّ فضحهم على الملأ.
هذه الشفافية مرتبطة بوجود إعلام حر، ينشر الحقيقة دون تعتيم أو مواربة، ويُعري الأخطاء، ويُوضّح الحقائق أمام الرأي العام، دون أن يتعرّض كاشفوها للاعتقال، أو القتل، أو التوقيف، نتيجة لجرأتهم وتدخلهم فيما لا يعنيهم!.
إن الأجيال الحاضرة تقف اليوم على حافة بركان، وهناك أزمة بينها وبين حكوماتها، فهي لم تعد تثق في وعود نوّابها التي تتبعثر بمجرد وصولهم إلى قاعة البرلمان، ولم تعد تُصغي للخطب الرنانة التي يُلقيها الوزراء من فوق المنابر، كونها مجرد حبر على ورق، ولم تعد تلتفت لسلسلة الخطط المستقبلية التي يطرحها مسؤولوها، حيثُ أضحت في نظرها وسائل مبتذلة لذر الرماد في العيون، ولتلميع صورتها!.
إن الخوف ليس على الحاضر، وإنما على المستقبل المحفوف بأخطار حقيقية على الأجيال القادمة، التي سترث هذا الإرث العفن! أجيال ستحمل خيبتها على ظهرها وقد تحاول يوماً أن تُعبّر عن مطالبها بأساليب خارجة عن المألوف، وبعيدة عن أي سلوك حضاري. والغريب أننا لا نرى أياً من المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد الكبرى، يعطون فرصة لضمائرهم كي تستيقظ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو يدركون ولو للحظة مسؤوليتهم تجاه الأجيال الناشئة، والأدهى والأمر من ذلك أنهم يطلبون منها بعنجهيّة أن تكون متأدبة في حضورهم!!.