جوانتانامو.. سيئ السمعة
جوانتانامو.. سيئ السمعة
الجمعة/23/6/2006
ما بين وفاة المشجع السعودي بعد تعادل منتخب بلاده مع نظيره التونسي، في المباراة التي أقيمت في مونديال كأس العالم بألمانيا، وبين الإعلان عن وفاة ثلاثة سجناء، هم سعوديان ويمني، في معتقل جوانتانامو بكوبا، يبرز سؤال جنائزي من بين هذا الضباب المتراكم: هل الموت بالسكتة القلبية نتيجة الخيبة في توقّع الفوز، والإحساس بمرارة الهزيمة، يُعادل الشعور بالانكسار، وسيطرة اليأس على النفس البشرية، مما يدفع صاحبه دفعاً إلى وضع حد لحياته التي هي أغلى ما لديه؟! هل المهانة الممزوجة بالذل تُجبر الإنسان على وضع خاتمة مأساوية لحياته، حتّى وإن كان هذا من الأمور التي حرّمتها كافة الأديان السماوية؟!.
بالتأكيد انتحار المساجين الثلاثة ألقى الضوء من جديد على معتقل جوانتانامو سيئ السمعة، وأدّى إلى ارتفاع أصوات المنظمات والمؤسسات الحقوقية الدولية، المطالبة بوجوب إغلاقه كونه يُعتبر وصمة عار على جبين الإنسانية، مع توفير محاكمات عادلة لكافة المساجين، بعد أن ثبتت الممارسات اللاإنسانية التي يتعرّض لها معتقلو جوانتانامو من تعذيب جسدي ونفسي.
وقد أعلن مؤخراً أن هناك عشرة مساجين فقط ستتم محاكمتهم عسكريّاً داخل أميركا، وعندما سُئل المحامي العسكري الذي سيقوم بالدفاع عن أحد المعتقلين أمام المحكمة عن ماهية هذه المحاكمة، أجاب بأنها ستكون صوريّة، مما يعني أنها مسرحية هزلية لتخدير الرأي العام، وعملية تمويه بارعة، في بلد يرفع لواء الحريات، ويُطالب بتطبيقها في العالم بأسره، وهو لا يلتزم بأبسط مقوماتها!.
بين حين وآخر تصلني على “إيميلي” رسائل من منظمات حقوقية، تدعوني إلى التوقيع على وثائق تدعو إلى الإفراج عن سجناء سياسيين أو صحفيين أو كّتّاب، اعتقلوا داخل أوطانهم بسبب مطالبهم الحقوقية في ممارسة حرية الرأي والتعبير، بعضها أتجاوب معها سريعاً، وبعضها أتوقف عندها لأتبين ما وراء الأكمة كما يقولون!! فمن المعروف أن العديد من البلدان العربية تزخر بالسجون والمعتقلات، التي لم يصل إليها الإعلام الغربي ليكشف فضائحها أمام العالم بأسره من جهة، وكونها من جهة أخرى خط أحمر بالنسبة للإعلام العربي، الذي لا يستطيع الاقتراب من هذه المناطق الخطرة. وأذكر أنني عندما قرأت كتاب “السجينة” لمليكة أوفقير، وكتاب “تلك العتمة الباهرة” للطاهر بن جلّون، اللذين يحكيان عن حياة السجناء في تلك السجون القابعة تحت الأرض، والتي أفقدت الناجين منها قدرتهم على الانخراط في حياتهم الاجتماعية من جديد نتيجة ما تعرضوا له، وجدت أن الذين قاموا بفضح هذه المعتقلات السرية، الصحافة الفرنسية التي سرّب إليها الخبر المعتقلون أنفسهم، مما يرسم علامة استفهام كبرى عن دور الصحفي العربي، في الدفاع عن سجناء حرية الرأي والتعبير، أو عن الذين أخذوا بجريرة غيرهم في بلدانهم.
هذا لا يعني أنني أبرر ما يجرى داخل معتقل جوانتانامو، ولكن ألا يقولون في أمثالنا العربية “إذا كان بيتك من زجاج، لا يجب أن تقذف الناس بالحجارة”! نعم يجب أن نُطالب بالإفراج عن سجناء الرأي والتعبير الموجودين في السجون العربية، حتّى يعلم الغرب أننا لسنا أمة ترفع حناجرها في وجه الظلم والاستبداد حين يتعلّق الأمر خارج حدود أراضيها، وتغضُّ الطرف عمّا يقع لأبنائها داخل أوطانها!!.
لقد طالبت وزيرة خارجية النمسا، التي ترأس بلادها الاتحاد الأوروبي، بوجوب إغلاق هذا المعتقل، ولكن أليس الأولى أن تكون المبادرة منّا، أم أننا تعودنا ترك أبواق الغير توقظنا من نومنا الثقيل!!.