العيب فينا وفينا
العيب فينا وفينا
الجمعة 25/11/2005
أندهشُ من الذين يرددون بأن الانفجارات التي وقعت في عدد من محطات القطارات بلندن، كانت من تدبير الحكومة، حتّى تجد عذرا لسن قوانين جديدة، تحد من حركة العرب والمسلمين داخل بريطانيا، ولكي تجد مبررا لوجودها العسكري في العراق بحجة محاربة بؤرة الإرهاب· وأستهجن التعليقات التي تُـلقى بين فينة وأخرى، بأننا كعرب ومسلمين مستهدفون من كل بقاع العالم، وأن ما يجري هنا وهناك ما هو إلا مؤامرات ودسائس تُحاك بأيدي الغرباء، لتشويه صورتنا، وتمييع قضايانا، وأننا خلاصة القول بُـراء كبراءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب!.
صحيح أننا عانينا طويلا على مدار التاريخ من الأطماع الغربية الاستعمارية· وصحيح أننا كنّا ذات يوم لقيمات لينة، تلوكها الأضراس من كل حدب وصوب· وصحيح أننا جاهدنا بشراسة حتّى نلنا استقلالنا· وصحيح أن في أوطاننا إغراءات كثيرة، تُحرّك لعاب الغرب، لكن هذا لا يعني أن نردد كل صباح مع صياح الديكة أننا أمة ساذجة، لا دخل لها فيما يجري على أرضها العربية من خراب وقتل وتدمير!.
يجب الاعتراف بأن العيب فينا، حين روّجنا لثقافة العنف بين الأجيال المتعاقبة، من خلال بذر الأفكار الهدّامة في مناهجنا التعليمية، وكتبنا التثقيفية، حتّى شبت الأجيال الحاضرة على رفض مبدأ الحوار، لا تتعامل إلا بلغة السلاح· العيب فينا حين أقصينا دور المرأة في الحياة العملية، خوفا من انفراط سبحة الأخلاق، واستندنا إلى أقوال لا تستند على أسس شرعية سليمة، وهو ما أدى لاحقا إلى خلق فجوة بين المرأة والرجل، وانقسام داخل المجتمع· العيب فينا حين أهدرنا حقوق الأقليات،وزرعنا التفرقة الطائفية والدينية بين أفراد الوطن الواحد، والإصرار على تهميشها بدعوى أنها فئات ضالة، مما أدى إلى اتقاد الجمر تحت الرماد!! العيب فينا حين أعطينا ظهورنا للشباب، وأخرسنا ألسنتهم بحجة أنهم يدسّون أنوفهم فيما لا يعنيهم، والنتيجة نشوء جيل موجوع، غدا ينفّث عن غضبه بألف وسيلة ووسيلة، دون أن يضع حدودا فاصلة بين المشروع منها والغير مشروع· العيب فينا حين أطلقت العديد من الحكومات العربية والإسلامية يدها، وأعطت السلطة المطلقة لبعض الهيئات الدينية في نفث سموم أفكارها المتطرفة تحت سقف الدين، ونشر الغلو بين الشباب، في الوقت الذي تُحكم قبضتها على رقاب المثقفين والمفكرين، وتُصر على قضم أظافرهم، وهم الذين يُنادون بتنظيف مجتمعاتهم من أوبئة التخلّف وما أكثرها!!.
لقد لفتت انتباهي عبارات تتسم بالجرأة والصراحة، رددها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، حين طالب بوجوب أن تكون هناك وقفة جادة لشيوخ وعلماء الدين الإسلامي، تجاه ما يجري من وقائع مؤلمة على أرضنا العربية، وأن الأمر صار يستلزم إما تكفير من يقومون بهذه الأعمال، أو إخراجهم من الملة·
قد لا يكون هذا القرار سهلا، ولكن إذا دققنا بجدية فيما يجري من حولنا، سنجد أن تبني هذه الخطوة فعليا، سيُحدث مردودا إيجابياً على المدى البعيد·
إن أرواح أبريائنا الذين أزهقت أرواحهم على أيدي أبناء جلدتهم، والخوف الذي بات يُعشش في قلوبنا على أهلنا وأحبائنا، ونظرات الانكسار التي صرنا نحملها في حدقاتنا، كلما حطّت أقدامنا على أرض غريبة، وعيون مستقبلينا التي تنطوي على الكثير من المعاني، التي قد نفهم بعضها، ونحتار في استيعاب مقاصدها الأخرى، يجب أن تحثنا على أن نُحارب بمنطق العقل والمنطق·