الغاية ليست لها قدمان
الغاية ليست لها قدمان
الجمعة 4/11/2005
بلوغ الهدف ليست له جنسية، والوصول للغاية ليس مقتصراً على فئة دون أخرى، كون الإنسان في كل زمان ومكان، ما أن يعي معنى الحياة، ويفقه دروبها، ويستكشف منعطفاتها، حتّى ترتسم في مخيلته مجموعة من الأماني، وتنبض في فكره باقة من الأهداف، فيمسك بقوة بمعول الإرادة، ليُحطّم كل العقبات التي تعيق طريقه ليصل إلى مراده·
هناك أناس في الدنيا، حرموا من أن يُمارسوا حياتهم مثل كافة البشر، بسبب أمراض مستعصية تمكّنت منهم، أو حوادث تعرضوا لها في صغرهم، أو عاهات مستديمة ولدوا بها، مع هذا نجدهم يتشبثون بأمانيهم، ويتمسكون بغاياتهم، دون أن يعطوا فرصة لليأس أن يُغلّف قلوبهم، ويسوقهم نحو هوة اليأس·
هناك الكثير من الأمثلة موجودة في مجتمعاتنا العربية، خطَّ أصحابها صورا مشرّفة للصمود والنضال، على الرغم من إعاقاتهم الجسيمة· لننظر إلى عميد الأدب العربي طه حسين، فقد نعمة البصر، لكنه لم يفقد نعمة العلم البصيرة، وكان له تأثيره الفعّال، ليس على مجتمعه فقط، بل على العالمين العربي والإسلامي·
أذكر أنه منذ ما يُقارب العامين، ألقى الإعلام البريطاني الضوء على امرأة بدون ذراعين ورجلين، وقد حرّكت وقتها مشاعر البريطانيين· وبرغم إعاقتها الكبيرة، إلا أن هذا لم يثنها أن تكون أمّا، وأن ترعى شـؤون طفلها بنفسها· وقد قام فنان مشهور بنحت تمثال لهذه المرأة، وسيتم نصبه قريبا، وسط لندن، عند ساحة الطرف الأغر، أمام صالة العرض المشهورة .(British Gallery) .
وفي براغ، وُلدت فتاة بولندية، من أبوين فقيرين، بدون يدين ورجلين، وهي تبلغ حاليا الحادية عشرة من عمرها· لم يستطع أبواها تركيب أطراف صناعية لها، نتيجة لحالتهما المادية الصعبة· هذه الفتاة تتمتع بموهبة الرسم، والغريب في الأمر أنها ترسم بأسنانها، وتقول إنها تحلم بأن تكون عندما تكبر رسّامة أو مغنية· والملفت أيضا أن كل رسوماتها توحي بالتفاؤل·
هناك أناس، تحثهم إعاقاتهم على مواجهتها بإرادتهم، ومحاربتها بعزيمتهم· وهناك أناس، ما أن تلطمهم الحياة على وجوههم، وتعطيهم ظهرها، حتّى تجدهم يُقفلون أبوابهم عليهم، ويلقون بأمانيهم من نوافذ منازلهم الشاهقة، ويدسون بأقدامهم على طموحاتهم، ويقبعون في مخادعهم، يلومون أقدارهم، ويندبون حظوظهم، يصبون جام غضبهم على الحياة، التي سلبتهم كل ما في جيوبهم من مباهج، ينفثون أحقادهم في وجه كل الناجحين·
إن الدنيا لا يستعصي عليها أحد، ولا تستثني أحداً من قائمتها، ولو تمعّن الإنسان بعينين بصيرتين حوله، لوجد أن هناك الكثير من المآسي، تُحيط بأناس أعظم وأقلَّ منه شأنا، وأن هناك من ضنّت عليهم الحياة، وأخذت منهم أكثر مما أعطتهم، لكنهم لم يشقّوا الجيوب، ولم يلطموا الخدود، بل نظروا إلى ذلك الشق الضيق، الذي ينبعث منه ضوء خافت من الأمل، وأكملوا مشوارهم، إلى أن وصلوا إلى نهاية دروبهم، وهم يحملون بين أكفهم ثمرات كفاحهم·
لا تجعل الإحباط يكسر همّتك، ولا تترك لليأس مكانا ليثقل كاهلك، ضع نصب عينيك كل صور النجاح التي حققها غيرك بقوة إرادته وتعلّم منها· فوّت على الأيام فرصة هدمك، وتذكّر بأن كل أحد يحمل بذور إعاقته بداخله، وأن الذكي من يمسك بتلك الإعاقة بين يديه، ويطوّعها له، ليروي بها عطش طموحاته، وتقوده إلى شاطئ غايته .