العزف على ربابة الانكسار
العزف على ربابة الانكسار
الجمعة 9/9/2005
من المظاهر المخيفة التي اجتاحت عالمنا العربي في العقود الأخيرة، بما فيه الدول الخليجية، تلاشي الطبقة الوسطى، واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، حتّى أصبحت مقدرات البلاد تحتكرها فئة قليلة، تلعب بمصائر معظم شرائح المجتمع، مما يُشكّل ظاهرة خطيرة، كون الطبقة الوسطى في كل مجتمعات الدنيا، تعتبر المحرّك الفعلي للتطوّر الاجتماعي والفكري والسياسي، وهي وحدها القادرة على إحداث ثورة في البنية التحتية، مما يعني التحسّب من حدوث أضرار اجتماعية جسيمة، نتيجة لهذا الخلل في التوازن الاقتصادي!.
أعرف ماذا تعني مشاعر شاب، صرف أهله على تعليمه الكثير، ليفاجأ بعد تخرجه بأن أحلامه في إيجاد وظيفة ملائمة، وآماله في تكوين أسرة، قد غدت من سابع المستحيلات! ويُصعق وهو يلاحق بعينيه، أخبار الإعلانات عن الوظائف الجديدة، بأنها مثل أسربة الوهم، وكأن مؤسسات المجتمع تُخرج له لسانها، وتقول له بعين وقحة: “بلَّ شهادتك واشربْ ماءها”!.
أعرف ردة فعل الشاب، وهو يسمع عن أرقام الملايين الخيالية، التي يحققها فنان صاعد، أو مغنية ناشئة، أو راقصة مغمورة، في فترة قصيرة! مما يعني أن “الهشك بشك” هي اللغة الطافية على سطح المجتمع العربي، التي تدفعه إلى مراجعة قيمه الحياتية، ومثله، ومبادئه، التي تلقاها على مقاعد الدراسة!.
أعرف ردة فعل الشاب، وهو يستطلع قائمة أصحاب الملايين في بلاده، الذين ترتفع أرصدتهم يوما بعد يوم، دون أن يُبالوا باحتواء الشباب الصاعد، وفتح مشاريع لهم، والأخذ بيدهم ليصلوا إلى بر الأمان!.
لذا لا أريد لوم الشاب حين يثور على تجاهل حكومته لمطالبه، خاصة إذا كان ينتمي إلى واحدة من الدول الخليجية، التي تعيش طفرة مالية جديدة، والتي للأسف لا يتذوق شعبها شيئا من أموالها، التي تتدفق بكثرة على خزينتها.
إن قضايا البطالة والمشاكل الاجتماعية الأخرى في المجتمعات الخليجية، لن تحل، إلا إذا تحققت العدالة الاجتماعية على أرضها، ووضعت هذه الدول قانون “من أين لك هذا”، فمن غير الممكن ألا تشعر الشعوب بهذه الدخول بسبب الفساد المتفشي فيها، ثم نطلب من الشباب أن يتفهموا الوضع، ويتقبلوا أي عمل يُقدّم إليهم، كأنهم ينتمون لبلاد فقيرة، وليس لبلاد غنية، تعيش طفرة جديدة.
الغريب أن الدول الغربية بما فيها الدول العربية الفقيرة، تنظر إلينا كخليجيين، بأن كلاً منّا يملك بئر بترول، وأنه يعيش منعّما، لا يعرف معنى الفاقة والعوز. ليس هذا فحسب، فمن خلال حضوري لعدد من الندوات والمؤتمرات العربية، اكتشفت أن معظم المجتمعات العربية، تنظر إلينا كشعوب لا يخرج من ظهرانيها، مبدعون أو كتّاب أو أدباء، وتبريرهم بأننا لم نكتوِ بنير الاحتياج. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنني تعرضتُ كما تعرّض كثيرون غيري للابتزاز المادي، بسبب هذه النظرة الضيقة، التي يُنظر بها إلينا كخليجيين!.
ماذا ننتظر من الشاب، الذي يفتقد لمجتمع القدوة، ويسمع عن المليارات التي تحصدها بلاده، في الوقت الذي يستيقظ كل يوم، على طعم المرارة في لسانه، وإحساس بالخيبة مسيطر على وجدانه، لعجزه عن تحقيق ولو حيز ضئيل من أمانيه!
إن تطبيق المساواة في توزيع الثروات، وتطهير المجتمعات العربية، بمن فيها المجتمعات الخليجية، من الفساد المالي والإداري، أصبحا من أولويات بناء غد آمن لأجيالنا القادمة، وإلا فإن المستقبل سيكون قاتم اللون، فمتى سنعتبر؟