إنهـا حـريتي يا قـوم!!
إنهـا حـريتي يا قـوم!!
الجمعة 15/7/2005
تخيّل أن تفتح عينيك ذات يوم فتجد السلاسل ملفوفة حول قدميك، والأغلال موضوعة في رسغيك، وأنك تُـسحب مثل الخراف لجهة تجهلها، منصاعا لأوامر صوت مجهول أصبح بين يوم وليلة سيدك والمتحكّم في مصيرك.
لقد ذُهلت وأنا أتابع على إحدى الفضائيات برنامجا عن عودة الرق إلى بعض بلدان أفريقيا السوداء، والتي بلغت في النيجر وحدها ثمانية آلاف حالة، حسب تقرير منظمة حقوق الإنسان. وقد عبّرت امرأة من اللواتي تمكنَّ من الفرار بعد أن وقعت أسيرة للعبودية لعدة سنوات بالقول: لقد شعرت بالسعادة لأنني أخيرا استرددتُ حريتي التي سُلبت مني، قائلة بابتسامة تملأ وجهها… إنها حريتي يا قوم!.
لقد تساءلت في حيرة, ما جدوى المعارك التي قامت في الماضي للقضاء على الرق؟! وما فائدة الحروب التي دارت بالأمس لكي يسترد الإنسان كرامته؟! هل التاريخ يُعيد نفسه اليوم بأسلوب مُغاير، وبطرق ملتوية؟!.
لا شيء يُكبّل الإنسان ويعيق حريته، ويكسر هامته، مثل الفقر والعوز، وبالتالي لا يمكن للعبودية أن تنقرض دون أن يتمَّ القضاء على مسبباتها، وطالما ظلّت هناك رؤوس تُطال قامتها عنان السماء، ورؤوس ملوثة وجوهها بمستنقعات الفقر، لن تتحقق العدالة وبالتالي سيستغل القوي سلطته في التلاعب بمصائر الفقراء.
هذه المعادلة غير المتوازنة، دفعت منظمات حقوق الإنسان، والجمعيات المناهضة للفقر، إلى حث الناس للخروج في مظاهرات للفت أنظار الدول الثماني الصناعية الغنية في العالم، الذين اجتمعوا مؤخرا لمناقشة فكرة إلغاء ديون الدول الفقيرة، إلى وجوب وضع حلول لإنهاء مشكلة الفقر في أفريقيا السوداء.
بالأمس القريب، اعتذرت أوروبا لليهود عن حملات الإبادة التي مورست ضدهم في الماضي بل وقدمت لهم تعويضات مادية ضخمة، في الوقت الذي صمّت أذنيها وأغمضت عينيها عن التاريخ المأساوي الذي عاشته أفريقيا السوداء، التي ذاقت طعم الحرية منذ وقت قصير، وما زالت تتذكر آلام الماضي بشيء من المرارة، وتمر أمام ناظريها صنوف الاستبداد التي تجرعتها على يد الرجل الأبيض، الذي كانت سفنه ترسو على المرافئ الأفريقية، وتقوم بشحن الآلاف من الأفارقة إلى قارات أوروبا وأميركا لكي تُساهم بسواعد أبنائها في بناء حضارة الإنسان الحديثة قبل حدوث الثورة الصناعية.
إذا كانت الدول الغنية تصر على تجاهل ما اقترفته في حق الأفارقة السود، وترفض تقديم اعتذار لهم أو تعويضهم ماديا من منطلق مقولة عفا الله عمّا سلف، لمَ لا تُساهم فعليا في القضاء على ظاهرة الرق التي استشرت من جديد في أفريقيا السوداء نتيجة الفقر والمجاعة!.
نحن نعيش في كوكب واحد، إذا أصابت رقعة منه آفة قاتلة، سيلحق الأذى ببقية بقاع الأرض، فالنكبات تنتقل مثل عدوى الأنفلونزا. وإذا تفاقمت مشكلة العبودية سينعدم الأمان في العالم، وستسحق الأقدام آدمية وكرامة الإنسان، لأنه ولد لكي يعيش حرا وليس تابعا للآخرين، حتّى لو كان معدما، لا يجد قوت يومه، يكفي أنه يملك مصيره، ويحيا على أرض اختارها بإرادته. إنها عبارة جميلة أن يرفع الإنسان صوته قائلا… أنا حر. لقد قالتها امرأة جاهلة لا تعرف ماهيتها لكن فطرتها دلتها بأنها تعيش عبودية قاتمة، مما جعلها تفر إلى الصحراء لتحصل على مرادها في النهاية. آه, أيتها الحرية، كم من الأخطار يواجهها الإنسان من أجلك، وكم من المصاعب يُكابدها لكي يفوز بك!.
وما زال للحديث بقية.