أين صناعة النجم؟!
أين صناعة النجم؟!
الجمعة 29/4/2005
كثير من الناس يتساءلون… لماذا اختفى النجم الكاتب من محيطنا الثقافي العربي المعاصر؟! بمعنى لماذا لم تعد لدينا قامات فارعة في دنيا الحرف، أمثال طه حسين والعقاد والرافعي وغيرهم؟! لماذا أصبح عندنا فراغ ثقافي، واختفت الأطروحات الفكرية، التي كانت تثير الجدل، وتُلهب العقول؟!.
بلا شك أن المناخ الفكري الذي نشأ فيه هؤلاء العمالقة كان ثريا، ساهم في نضج إبداعهم، فثورة التغيير كانت مرتبطة بحركة التحرر من الاستعمار، وكان هناك نهم في تتبع حركات التحديث الجارية في الغرب، إضافة إلى أن مساحة الحرية بالرغم من المناخ السائد وقتها، كان فيها متنفس للتعبير مقارنة بما هو حاصل اليوم، حيث غدت الكلمة معرضة للاستجواب، والأفكار خاضعة للمصادرة، بحجة أن مضامينها تهدد الأمن الوطني. كما أن المد الديني المتطرّف، الذي غدا منتشرا في رقع واسعة من العالم الإسلامي، أصبح يتصيّـد كل صاحب فكر متنوّر، يخرج عن نطاق المألوف، ويرميه بالكفر والإلحاد، بل وقد يصل الأمر إلى المطالبة بإهدار دمه حماية للدين! هذا وقد ساهمت القلاقل السياسية، والأحداث الدامية، التي تمر بها منطقتنا العربية، في غرس نوع من الخيبة النفسية في نفوس الجيل المبدع من الشباب، من منطلق الإيمان بمقولة “مفيش فايدة”.
في عصر النهضة، كان كبار المفكرين والأدباء، يأخذون بيد كل من يتوسمون فيه الموهبة، ويُـقيمون في بيوتهم صالونات أدبية، ويعقدون في المقاهي حلقات نقاش مع الشباب حول الأوضاع الاجتماعية والسياسية والفكرية. هذه الظواهر المضيئة أصبحت في خبر كان. فمعظم الأدباء أولوا ظهورهم للجيل الواعد من ناحية، والعديد من الحكومات العربية من ناحية أخرى، صارت تنظر بريبة إلى هذه التجمعات، وأنها تُـشكّل خطرا على المجتمع، مما حدا بها إلى منعها، بحجة حماية عقول الشباب من التشوه الفكري!.
من الواضح أن هناك ندرة في عدد المؤسسات الثقافية الداعمة للبراعم الجديدة من الموهوبين، وصناعة النجم الكاتب لا تلقى رواجا في الأوساط الإعلامية، خاصة المرئية منها، والمتابع لما تبثه القنوات الفضائية من برامج فنية هابطة، يشعر بالهلع لما لحق بمجتمعاتنا، حيث تتنافس الفضائيات على بث برامج معظمها مقتبسة من برامج غربية، يتم تطبيعها عربيا لاستقطاب أكبر قدر من المشاهدين، وتحقيق مكسب مادي سريع، دون أن يفكر المسؤولون عن هذه القنوات، في عمل برامج جادة ترفع من مستوى ثقافة الشباب. دور النشر، ساهمت هي الأخرى في إجهاض النجم الكاتب، فهي للأسف لا تلتفت لنتاج الأدباء الشباب، تفاديا للخسارة المادية التي قد تلحق بها، مما يضطر النجم الواعد إلى التسكع في الأزقة بحثاً عن ممول، يقوم بإخراج أدبه إلى الحياة، فإذا لم يجد، سيطر عليه الإحباط، ورمى بقلمه مبكراً، وأنصهر في ركب العمل، بحثاً عن لقمة العيش، في هذا العصر الشديد التعقيد، وهو ما يؤدي تباعا إلى وأد نبتة الإبداع في مهدها.
الفكر هو قمة الفنون، له دور عظيم في بناء حضارة الإنسان، لكن للأسف في الوقت الذي يسعى فيه الغرب إلى تمجيد مفكريه، وتخليد نتاجهم، وإطلاق أسمائهم على مؤسسات وجمعيات ثقافية، ليكونوا قدوة للبراعم الجديدة، نرى المفكرين النـزهاء في الكثير من بلداننا العربية، تُـكسر أقلامهم، وتُـحط كرامتهم، وتشوه سمعتهم، ويلقون في غياهب السجون من أجل كلمة حق قالوها، ثم تتساءل المجتمعات العربية بحيرة… تُـرى ما سر تقدّم الغرب، وأسباب تخلفنا؟!