الرقص على الدفوف
الرقص على الدفوف
(27) – (30)
استيقظت عبير على صوت ضجيج، حركة غير طبيعية بالشارع، هرعت إلى الشرفة، مدت بصرها ،الناس متجمعون في حلقات متناثرة، صبغة القلق، التوتر، مرسومة على الوجوه، بعض الشباب يحمل العلم الكويتي، العربات الواقفة ترسل أبواقاً متلاحقة، نسوة من الخليجيات، ملتحفات بالعباءات السود يهتفن : تحيا الكويت . جدتها تناديها من الداخل، هرعت إليها، وجدتها قابعة بجوار المذياع ، تعلو وجهها مسحة الحزن، والكآبة : مصيبة يا عبير، العراق احتلت الكويت، لم تستسغ معنى العبارة… ماذا تقولين يا جدتي ؟؟ هل ما أسمع حقيقة ؟؟
ما حدث ليلة الثاني من أغسطس عام 1990م لا يتصوره عقل، قام الناس صبيحة اليوم التالي على مشهد مخزٍ، الجيش العراقي يتسكع في طرقات مدينة الكويت، الدبابات المدرعة تقف على أرصفتها، الأسرة الحاكمة خرجت ليلة الاحتلال من الكويت قاصدة السعودية، زاد الأمر فداحة أن كثيراً من الأسر الكويتية كانت تقضي عطلتها الصيفية خارج الكويت، توقفت البطاقات الائتمانية، أصيب الجميع بصدمة عدم التصديق، نوبة من الاندهاش، وخوف من عاقبة الأمور، أخبار مفجعة، بعض الأسر هربت عن طريق الصحراء، البعض الآخر قصد طريق الأردن، منهم من تاه في الصحراء، مات من العطش، الأسر بالخارج تدافعت إلى الهواتف العمومية، للاتصال بسفارات بلادها، محاولة الاطمئنان على أخبار أهاليها بالكويت، حوادث مؤلمة وقعت بالداخل، تقشعر لها الأبدان، سُجِّلت حالات اغتصاب، آباء وإخوة قتلوا على أيدي الجنود العراقيين دفاعاً عن كرامتهم .
مرت أسابيع على هذا الوضع المأساوي، الكويتيون الموجودون بالخارج هبطت معنوياتهم ، نتيجة نفاذ نقودهم ، قررت الحكومة تخصيص مبلغ محدد لكل أسرة، تجميد الأرصدة الكويتية في البنوك، رفع من فداحة الأمر، أن الطعنة جاءت من بلد عربي شقيق، كما أن الشعوب الخليجية لم تألف غربة الأوطان، لم تتعود آذانها على نغمة الحروب، هناك من انهار تماماً، فقد أعصابه، بكى، شعور طاغ بالغربة سيطر على النفوس، مغموس بمداد العطش لأرض الآباء والأجداد .
الوضع في السعودية كان أحسن حالاً، وإن كان الناس قد تسلل إليهم الهلع، هاجس من تسرب رائحة الحرب إلى أرضهم، لم يتعودوا مشاهد الدم، ولا أصوات المدافع، أجيال ما بعد النفط تربَّت على الترف، أغدق حكامها على شعبهم كل مظاهر البذخ.
منذ بداية أزمة الخليج، حرصت عبير على محادثة والديها يومياً، الأمر الغريب أن والدتها طلبت منها عدم المجيء في الوقت الحاضر للسعودية، بحجة أن الوضع غير آمن هناك، تضحك في سرها من نبرة الجزع، التوتر المنبعث من حبالها الصوتية، تتذكر تعليقات علي على عصر ما بعد النفط .
دق جرس الهاتف بمنزل عبير، في قيلولة الظهر، نجوى على الخط : هناك مؤتمر صحفي سيعقد في فندق سميراميس
(( انتركونتيننتال )) ، سيحضره بعض المسؤولين الكويتيين ،وعدد من رؤساء اللجان التي تكونت لتحرير الكويت . عبير، لا بدّ أن نتضامن مع أشقائنا في الكويت .
– ما الذي يمكننا فعله ؟؟
– هناك الكثير، سأمر عليك الساعة الرابعة، أثناء طريقنا للمؤتمر سنتناقش في الموضوع . عبير إنها قضية قومية ، لقد طلبت من علي أن يحجز لنا مقعدين في الصفوف الأمامية مع فئة الصحفيين .
بهو الفندق شديد الزحام، اخترقت عبير ونجوى الصفوف، أخذتا طريقهما إلى مكانهما بصعوبة ، علقت على حيطان القاعة صور عديدة، تحتوي على مناظر مقززة لوحشية الجيش العراقي، التي مارسها مع الشعب الكويتي .
الأعضاء المشاركون في المؤتمر ثلاثة رجال، وامرأتان، أبرز المشاركين الدكتور أحمد العبد الله، في حدود السادسة والثلاثين، طويل القامة، شرقي الملامح،كثيف الشاربين، واللحية، قمحي اللون، شديد سواد الشعر،عيناه السوداوان تحيط بهما غشاوة من الغموض، القوة، الرهبة، ينتاب المرء الفضول في اختراق أسهمها المتباينة، تحليل مكنوناتها .
انبهرت عبير بشخصية الدكتور أحمد، وسامته ، ثقافته ، انسياب حديثه ، ردود فعله الهادئة مع الأسئلة المطروحة عليه ، يمتاز بدبلوماسية في إدارة الحوار، رغبة عنيفة تملكتها في التحدث مع هذا الرجل، منذ سنوات لم يداهمها هذا الفيروس الطفيلي ، في وقت من الأوقات أحست أن قلبها شاخ قبل أوانه ، معلناً وصوله لمرتبة الكهولة ، وأن عواطفها تجمدت تحت الصفر . هناك أشخاص يصادفهم المرء لأول مرة ، يداهمه شعور مبهم أنه يعرفهم من زمن بعيد ، نوع من التآلف الفطري ، لا توجد تفسيرات علمية له .
رفعت يدها للسؤال : هل تعتقدون أن نضالكم من الخارج سيحرر أرضكم ؟؟ لماذا تركتم بلادكم ؟؟ ألم يكن من الأجدى مقاومة الاحتلال من الداخل ؟؟ ومضة مؤسية لمعت في حدقتي عينيه.. لم نترك بلادنا طوعاً، أجيبيني أنت، كيف سيصل صوتنا إلى العالم إذا قبعنا هناك ؟؟ بالتأكيد سنصبح مشلولين، مكممي الأفواه ، هل تعتقدين أن صدام حسين بكل طباعه الوحشية، سيمنحنا الفرصة للذود عن أرضنا ؟؟
لم تعلق عبير ، خدرتها أدخنة الحزن المغلفة بروح الكبرياء، المنبعثة من روحه، انتهى المؤتمر، نداء مجهول نترها من مقعدها، هرعت خلف الدكتور أحمد، طلبت منه أن يحدد لها موعداً لتكملة نقاشهما، تأملها لحظة خاطفة : موعدنا غداً الساعة الخامسة ببهو فندق هيلتون النيل، أحاطتها التساؤلات.. ما الذي دفعني لمثل هذا التصرف ؟؟ احتارت في وضع إجابة مقنعة، أدركت أن هناك يداً خفية تسوقها لطريق مبهم ، لا تدري نهايته .
أحياناً كثيرة التجارب الحياتية تقذف الإنسان في دائرة العدم، تحيط مشاعره بسياج من التبلد، الفتور، لم تكن عبير شخصية استسلامية، لكن وخزات الصدمات جعلتها امرأة ورقية، تقذفها الريح في اتجاهات متباينة ، قلبها لم يتعافَ نهائياً، لم يزل في فترة النقاهة، كانت تعيش بفيروس حب وهمي، في زمن بدائي الرجولة .
( 28 )
لم تنم عبير ليلتها، وضعت على الوسادة رأسها المثقل، سبحت في بركة أيامها الماضية، وقفت عند هيئة الدكتور أحمد ، نشبت التساؤلات بذهنها : ماذا تريدين منه ؟؟ هل ترغبين من جديد الانجراف مع تيار العشق ؟؟ ألم تتعلمي من تجربتك الماضية، لماذا تريدين رؤيته ثانية ؟؟هل حقاً أنت مهتمة بقضية بلده،أم أن طرقات مجهولة، تدق بخبث عند مدخل قلبك،تتحين الفرصة للولوج؟؟ كفاك ما عانيت، صدمة أخرى ستقضي عليك . المرء الذي لا يستوعب العبر من تجاربه، لا يستحق الحياة . شلالات الذكريات تتدفق بعنف، تهزها صور الماضي، تحتمي بوسادتها، تتعلق بأستار الماضي، صهد أنفاسها يرتد على صفحة وجهها، نطفة الأنثى تتحرك في أحشائها، ملاءة الحب تفترش عالمها،تملأ كيانها، اندس سلطان النوم وسط لحافها، سحب بساط أوراقها، استيقظت على أنامل الشمس، تدغدغ مسام وجهها، تتقلب على جنبيها، تزفر بحرارة : آه يا قدر، ماذا تخبئ لي في جرابك ؟؟
وقفت أمام مرآتها، حائرة في اختيار الثوب الذي سترتديه ، تعلم أن اللقاء الأول له وقع خاص ، ارتدت ثوباً سماوي اللون، بأكمام قصيرة، فتحة صدره ضيقة، تبرز رقبتها الفارعة، ينـزل منساباً على تقاسيم جسدها، يداري ركبتيها ،أطلقت سبائك شعرها على كتفيها، قدمت ناحيته، ترفل في ثوبها الحريري، أضواء السعادة تشع من داخلها، شموس تضيء قلبها المعتم، يتخضب وجهها بابتسامة أنثوية : آسفة على التأخير .
– لا عليك ، النساء دوماً ينسين أنفسهن أمام المرآة ، خاصة إذا كن أنيقات مثلك .
أرخت أهدابها، كبت بعينيها إلى الأرض ، أحست أنها ما زالت مراهقة ترتشف سائل الحب للمرة الأولى ، عنفوان رجولته ملأ أعماقها، صوت حانٍ يخاطبها من وراء ستار فؤادها : لا تضيعي هذا الرجل . هو من تبحثين عنه . لقد وجدت ضالتك أخيراً .
هذا الشعور لم يقتصر على عبير وحدها، أحس الدكتور أحمد تجاه هذه المرأة الجالسة أمامه ، الإحساس نفسه ، أنها ليست بغريبة عنه ، يعرفها من سنين طويلة، التقى السالب بالموجب في لحظة صفاء ذهني ، وجد في دفء أنوثتها أمان وطنه المفقود ، فتح أمامها نافذة همومه ، تفاعلت مع مآسيه ، تمنت لو كان معها خاتم سليمان، لاستردت أرضه ،أعادت البسمة لمحياه ،رفعت ثغرات آلامه، كانت أسطورة العطاء في زمن شرس المخالب .
( 29 )
لم يكن الدكتور أحمد من الشخصيات العدوانية ، أي أنه كان رجلاً رزيناً ،لديه قدرة فائقة على اكتشاف مواطن القوة ، الضعف ، لدى الآخرين ، يعزف بمهارة على أوتار احتياجاتهم ، محنك في إدارة الحوارات ، يرمي كرة الإقناع في ملعبه ببراعة ، فيه سحر خاص يجذب إليه النساء ، وبالتالي الوقوع في حبائله بيسر ، لم يكن من الشخصيات المكشوفة ، التي تنقشع نواياها بسرعة ، من صفاته وضع سياج من الحرص ، حول أهدافه .
الدكتور أحمد من الأساتذة المرموقين في جامعة الكويت ، حصل على الدكتوراه في سن صغيرة ، قياساً بزملائه الذين تجاوزوا الأربعين ، تزوج في سن الثلاثين زواجاً تقليدياً ، بزوجة تصغره بأكثر من عشر سنوات ، أصابته قناعة بعد الزواج ، وفي مرحلة مبكرة ، بأنَّها لا ترضي غروره ، لا تروي فحولته ، خرج من كبته الزوجي ، بالانغماس في علاقات نسائية ، غاية في السرية ، حرص على ألاَّ تطفو علانية على سطح حياته العائلية ، حين يصارحه الطرف الآخر بفكرة الارتباط ، وتتويج العلاقة بعقد الزواج تنتهي بالتصدع ، ويشد الرحال بحثاً على صيد جديد ، علاقته بابنتيه صارمة ، رغم صغر سنهما ، تتسم بطابع السيطرة ، فرض الرأي . في شخصيته نزعة الازدواجية ، تظهر واضحة في تصرفاته المتباينة داخل البيت ، وخارجه ، لها ما يبررها ، يعود الخلل في تنشئة الأبناء بالمجتمعات العربية ، إلى التفرقة بين الجنسين منذ الصغر ، إشباع الأنا عند الولد ، وطمسها في البنت ، مما يؤدي إلى انبساط الهيمنة الذكورية .
مر بتجربة عنيفة بعد زواجه ، ارتبط بعلاقة مع إحدى الصحفيات ، انتهت (( بدراما )) حقيقية ، اكتشف بعد تطور علاقتهما ، انغماسها في العديد من العلاقات الشخصية ، لم يكن بالنسبة لها سوى جسر مصالح ، تحقق من خلاله طموحاتها ، تثبيت قدميها داخل الوسط الإعلامي ، استغلت منصبه لتشبع تطلعاتها ، تفتح به الطرقات المغلقة ، واجهها ، تحول لوحشي آدمي ، تملكه إحساس بالخديعة ، لم يرف لها جفن ، كانت قد بدأت تجني ثمار طموحاتها ، أسهم شهرتها في الارتفاع ، استقبلت اتهاماته ببرود عجيب : لا أستطيع أن أحصر حياتي داخل حلقة رجل واحد ، رفض أن يهبني اسمه .
– أنت امرأة انتهازية ، مخادعة ، لقد أفهمتك من البداية رفضي لمبدأ الزواج . اعترفت لك أن زواجي كان أكبر غلطة ارتكبتها في حياتي ، ولو عاد بي العمر للوراء لما أقدمت عليه ، ولعزفت عنه نهائياً .
– لا أدري سبب غضبك ! لقد تعاملنا مع بعضنا بمرآة مقاييسه ، أنت رغبت في أنوثتي ، وأنا تشبثت بك كرجل ناجح . كلانا استفاد من الآخر ، الحياة مجموعة فرص ، ويوم تشعر أنني أضحيت لعبة قديمة ، ستقذف ذكراي من حقل أيامك ، باحثاً عن لعبة جديدة تلهو بها ، تقتل بها ضجرك .
– ما دامت الأقنعة قد انقشعت ، فلنغلق ملف علاقتنا للأبد ، فؤادي لا يتحمل لعق مرارة الخيانة .
أقسم من يومها ألا يجعل المرأة محور حياته ،أحاط قلبه بسياج سمكيك ، يفيه من قطرات المطر المفاجئة ، حتى التقى عبير ،جذبته مشاعرها الفطرية ، شفافية روحها ،طفولتها الأنثوية المتدفقة من بريق عينيها ، غرق في نهر أحاسيسها المتدفقة ،لتدلك أوردته المهترئة ،لقد كانت امرأة متميزة بجميع المقاييس .
( 30 )
العالم العربي في غليان، انقسام في الصفوف، مظاهرات في الشوارع ، ما بين مؤيد لصدام حسين في أحقية تقسيم ثروة النفط بين الشعوب العربية، وبين مناهض لمبدأ اغتصاب الأوطان، سرقة ثروة شعب بدون وجه حق، الجميع ملتفون حول المذياع، يتابعون تطورات الموقف، الأحداث تجري متلاحقة، تداخلت الأمور، أحد المستوطنين الصهاينة يفتح النار على المصلين بالمسجد الأقصى، سقوط الفلسطينيين ما بين قتيل وجريح، إدانة مجلس الأمن لهذا العمل الوحشي، تهيج مشاعر المسلمين، تفاعلهم مع الحدث، تعدو الشهور، صدام يصر على عدم الانسحاب من الكويت، التلويح باستعمال القوة في تحرير الكويت، إعلان مجلس الأمن التصويت لضرب العراق، الشارع العربي منقسم تجاه وحدة القرار، غرقت عبير في تفاصيل ملف الكويت، دفعها الحب ثانية إلى إلغاء الذات، التفاني في بذل العطاء لمن تحب، أهملت رسالة الدكتوراه ، وزعت وقتها كله لمطالب الدكتور أحمد، شاركته اجتماعاته ، مؤتمراته ،حضرت معه مناقشات لجنة التحرير، قامت بكل هذا، مدفوعة بروح الحصار، المفروضة حول قلبها، المشع بشموس العشق .
لمّا كانت صغيرة ، كانت عيناها تسقط أحياناً على صورة عمها توفيق ، تسرح في قسماته ، في عنفوان شبابه الذي سحله القدر، تتساءل عن العم الذي غيبه الموت باكرا . لم تكن تستوعب أحاديث أبيها عن الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء لتراب الوطن ، معانيها أكبر من أن تخترق حواجز فكرها الطفولي .صور الأحداث المؤلمة التي تتجسد مشاهدها أمام ناظريها، والتي تلعق مرارتها يومياً، جعلتها تدرك قيمة الهوية ، من خلال معاناة شعب ، استيقظ من نومه ، فوجد وطنه مسلوباً، ازدادت قناعة بأنَّ الأرض هي الملاذ الحقيقي للإنسان، بدونها يعيش في غربة الشتات، منبوذاً من كل مجتمعات الدنيا .
هاتفتها نجوى ، سألتها عن سر انشغالها عنها، طلبت منها بإلحاح ملاقاتها بنادي الجزيرة ظهر الغد، تابعت ضاحكة : عدد من زملاء الجامعة ، سيجتمع لتناول طعام الغذاء في النادي، مضى زمن لم نلتق فيه ، نريد أن ننعش تربة ماضينا ، إنها فكرة علي، لقد طلب رسمياً حضورك .
سرحت عبير في نجوى، معجبة بإرادتها الحديدية ، كانت قد ألحت في طلب الطلاق من زوجها، بعد فترة وجيزة من الزواج، حين بدأ يملي شروطه عليها، وجوب الاهتمام بواجباتها الزوجية ، رفضت الخنوع ، زعيق طموحاتها، كان أعلى من ندائها الزوجي ، خرجت من تجربتها أكثر قوة ،لا يبدو عليها الاهتزاز، أو فقدان الثقة ، كما يحدث لكثير من النساء اللاتي يتعرضن لفشل زيجاتهن ، طوت صفحة زواجها، كما يطوي الإنسان صفحة بائرة في مجلد يومياته .
حاول علي أن يكون مرحاً كعادته ، لكن ملامحه المهمومة ، وشرود نظراته ، فضحت توتره ، لاحظت عبير ذلك : علي ،ما بك ، لست طبيعياً اليوم !!
علي – نعم أنا بالفعل حزين ، أوضاع العرب مخزية ، أمريكا أصبحت تتحكم في مصائرنا علانية ، هل تنكرون أنها المحرضة الرئيسية لفكرة ضرب العراق، من أجل مصالحها !! لا بدّ أن نتكاتف ، نعلن اعتراضنا على هذا القرار .
عبير بـحدة – افرض أن كلامك به شيء من الصحة ، هل لديك حل آخر ؟؟
علي _ لا بدّ أن تكون هناك حلول أخرى . ما ذنب الشعب العراقي ؟؟ لماذا يدفع ثمن أخطاء حاكم أرعن ، مختل العقل ، مسلوب الضمير ؟؟
نجوى – على مدى التاريخ ، الشعوب هي التي تتحمل فاتورة المعاناة عن حكامها الطغاة .
علي – وهي أيضاً القادرة على طمس الطغيان ، الثورة ضد الظلم ، انظروا إلى الشعب الفلسطيني ، لقد أشعل أطفاله الانتفاضة دون تخطيط مسبق ،حرية الأوطان لا تتحقق إلا بإرادة شعوبها .
أحد الحاضرين – هل معنى كلامك ،أنك من المؤيدين لصدام حسين ؟؟
علي – أنا إنسان يؤمن بميثاق العدل ، لا تعتقدوا أني مع سلب الحقوق ، أو سرقة الأوطان ، لكني أيضاً أرفض أن نصبح أداة طيعة في يد أمريكا، ندع لها الفرصة لتمارس علينا دور الشرطي ، مع هذا أعتقد جازماً أن دوام الحال من المحال ، إن حقائق التاريخ تقول : لا قوة تدوم لأحد إلى الأبد ، سيأتي يوم تنهار فيه الامبريالية الأمريكية ، كما انهارت الشيوعية ، دروس الأزمنة تقر بهذا .
اختلطت الأصوات، تباينت الآراء ، بين مد وجزر، انفعلت عبير، علا صوتها، دافعت بحرارة عن وجوب تحرير الكويت بالقوة ، حدقت نجوى في صديقتها، أدهشها ارتفاع سخونة تشنجاتها، سعت لتهدئة الموقف ، وهما في طريق العودة سألتها نجوى بفضول : ما سبب انفعالك الشديد ؟؟ معظمنا متعاطف مع الشعب الكويتي ، لكن ألا ترين أن استياءك كان زائداً عن الحد ؟؟
أجابتها بمبررات مفضوحة .. بل نابع من إيماني بأحقية الشعوب في السيادة على أراضيها .
——————————————————————————————-
الرقص على الدفوف- رواية – من ص 276 إلى ص 288