﴿ الثورة في الأدب النسائي السعودي: زينب حفني نموذجا ﴾
– الندوة التي أقامتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة – زينب حفني –
في قاعة الشرقية بميدان التحرير
31/5/2011
ليست كل ثورة يجب أن يحمل أصحابها بندقية، أو تُحتّم على الأجساد الاندفاع في الميادين العامة للتأكيد على مطالبها الإنسانية، فأحيانا تكون ثورة القلم أشدَّ بأسا وأقوى تأثيرا في قلب فكر المجتمعات. وقد كانت أفكار جان جاك روسّو المفكر الفرنسي المحفّز الرئيسي لقيام ثورة فرنسا العظيمة.
قد يُوافقني الكثيرين في أن نتاج الأدباء والمبدعين يُعتبر تاريخ موثّق لمن يرغب في معرفة ما يدور في أزقة بلاده الخلفية!! وقد قرأتُ في مذكرات وزير الثقافة المصري السابق الدكتور ثروت عكاشة، أن الرئيس عبد الناصر كان أكثر رؤساء العالم العربي حرصاً على قراءة نتاج أشهر أدباء عصره، لإدراكه مبكراً قدرة الروائي الثاقبة على اختراق المنافذ، ومهارته الفائقة في تشريح مجتمعه وإظهار مكامن علته!!
وأجزم بأن الحكام والرؤساء العرب لو قرؤوا بعضا من الروايات المكتوبة عن مجتمعاتهم، لاستغنوا عن قراءة التقارير التي تُقدمها لهم وزاراتهم الحكومية، التي يغلب عليها طابع التزوير والكذب ولي الحقائق الموجودة على الأرض! بل لاستطاعوا بسهولة معرفة ما يدور من خلف أظهرهم مثل تلك المتعلقة بقضايا الفقر والبطالة والفساد وقضايا أخرى كثيرة ساهمت البطانة المحيطة بهم في أن تكون حاجزا بينهم وبين ما يقع من مآسٍ لشعوبهم!
لا يستهنْ أحدكم بما يُسطّره الروائي على الورق، فقد يُصبح نتاجه يوماً الدليل الدامغ على نصاعة أوطان، أو على تورّط حكامها في أعمال نهب! لحظتها التاريخ لن يرحم من عاش زمن ذلك الروائي!
***
الأدب النسائي العربي ساهم هو الآخر في الحراك الاجتماعي لذا فهو يُعتبر أدب ثوري بامتياز. فاليأس والإحباط والرغبة الصادقة في التغيير، دفع الأديبة إلى سلك طرق غير آمنة محفوفة بالمخاطر، مما جعل أدب المرأة العربية انعكاس لأحوال مجتمعها لتميزه بالصدق الأدبي، وهو ما أدّى إلى اعتقاد بعض النقاد بأن خصوصية الكتابة النسائية ستتضاءل مع تقدّم الوعي الاجتماعي.
أؤكد لكم من هذا المنبر بأن المرأة السعودية هي امرأة مناضلة، ومن يقرأ أدبها يستطيع أن يخرج بهذه القناعة. لكن يجب الاعتراف أيضا بأن الإبداع النسائي السعودي قد بدأ متأخرا نتيجة الرقابة الاجتماعية الصارمة والمعتقدات الدينيّة المتزمتة المفروضة على المرأة هناك. والأديبة السعودية تأثرت في بداياتها مثل الأدباء من رجال وطنها بالأدب القصصي والروائي العالمي الذي قام على يد تشيكوف وإرنيست هيمنجواي وفرجينيا وولف وغيرهم. ثم في مرحلة لاحقة بالقاص العبقري تشيكوف العرب “يوسف إدريس والأديب النوبلي العظيم نجيب محفوظ ويحي حقي وفتحي غانم وغيرهم من الذين أثروا المكتبة العربية بإبداعاتهم.
*بدأت الرواية النسائية السعودية تحديدا على يد الأديبة سميرة خاشقجي بروايتها (ودّعتُ آمالي) التي صدرت عام 1958م. ويجب أن أشير إلى مجلتها (الشرقية)، التي تُعتبر أول مجلة نسائية سعودية، وقد صدر عددها الأول في يناير من عام 1974م، وكان شعارها آنذاك (مجلة نسائية سعودية)، ثم تمَّ تغييره عام 1978م إلى (مجلة المرأة العربية). كما لا بد أن أشير كذلك إلى إنشائها (جمعية النهضة النسائية)، و(نادي فتيات الجزيرة الثقافي)، وإلى انتخابها عام 1965م – بحسب مجلة (حقول) – لرئاسة (الاتحاد النسائي العربي).كانت سميرة تكتب رواياتها تحت لقب هو (سميرة بنت الجزيرة العربية)، وأدرك الكثيرون بأنه اسم مستعار تخفي من ورائه هويتها، والصحيح أنه لقب حرصت سميرة من ورائه الكشف عن الجانب الأكثر أهمية في ذاتها وهو انتماؤها إلى الجزيرة العربية، حيث لم يكن أحد يستوعب آنذاك أنْ تقومَ فتاة من هذه البقعة بفعل الكتابة المتأسسة على التخيّل تحديداً.
والحقُّ يُقال أن روايتها (بريق عينيك) التي صدرت عام 1963م كانت هي من فتح الباب أمام الأديبات السعوديات الأوائل للتحرر من عباءة التقاليد والعادات المتزمتة التي كانت تُقصي المرأة ولا تقرُّ بموهبتها الأدبية. ثم جاءت بعدها هدى الرشيد بروايتها (غدا سيكون الخميس).
كما كان للأديبة السعودية دور مهم في تطوير القصة القصيرة التي بدأت بالقاصة نجاة خيّاط بمجموعتها القصصية (مخاض الصمت) الصادرة عام 1966م لتمثّل الريادة في هذا الميدان. وجاءت بعدها هند باغفّار بمجموعتها القصصية (البراءة المفقودة) الصادرة عام 1977، ومريم الغامدي (أحبك.. ولكن)، ولطيفة السالم بمجموعتها القصصية (الزحف الأبيض) الصادرة عام 1981م، ثم توالى الإبداع القصصي على يد خيرية السّقاف ورقية الشبيب وشريفة الشملان وبدرية البشر وأميمة الخميس وأمل شطا وسلوى دمنهوري وغيرهن.
ثم انفرطت السبحة وتكررت المحاولات التي تصبُّ جميعها في الاحتفاء بالجسد، وفي إطار علاقة المرأة بالرجل، وفي الدعوة إلى التمرّد على السلطة الأبوّيّة وهو ما يعني بأن الأديبة السعودية ظلّت قضاياها وهمومها الشخصية المحور الأساسي في أدبها.
ويجب الإشارة إلى أن هناك عدد من القاصات والروائيات قد نلن جوائز إبداعية. ففي مجال القصة القصيرة على سبيل المثال فازت القاصة الشابة زينب البحراني في مسابقة (بدايات) بدورتها السادسة عام 2007م عن مجموعتها (أقاصيص عابرة). كما فازت أيضا بجائزة (إنانا الكبرى للإبداع) في دورتها الأولى عام 2007م عن قصّتيها (رقصة التخمة ، أوغاد). وفي مجال الرواية حصلت الروائية ليلى الجهني على المركز الأول عام 1998م عن روايتها (الفردوس اليباب) في مسابقة الشارقة بدولة الإمارات العربية. ثم تبعتها الروائية قماشة العليان التي فازت بجائزة دبي للمبدعات العربيات بالشارقة عام 2000م عن روايتها (أنثى العنكبوت). وهذا العام 2011 حصلت الروائية رجاء عالم على جائزة (بوكر العربية) مقاسمة مع الروائي المغربي “محمد الأشعري. ويجب الإشارة بأن رجاء عالم تُعتبر رائدة في الأدب التجريدي وتعوّدت في قصصها ورواياتها الجنوح في آفاق السوريالية إلى أبعد مدى مما جعلها أديبة نخبوية في نظر الكثيرين، إلا أن رجاء في روايتها (طوق الحمام) قررت التحرر من المصطلحات اللغوية والعبارات المبهمة التي تغلب على رواياتها السابقة مما جعلها تقترب من فكر العامة وتنتزع بقناعة إعجاب اللجنة المشرفة على جائزة بوكر العربية.
حضر بعدها جيل الشابات من الروائيات ليحطّمن كل ما يعترض طريقهن بجسارة وجرأة أكبر غير آبهات بالخطوط الحمراء، مما يؤكد بأن الأثمان التي دفعنها الروائيات الرائدات قد أينعت قطافها في أقلام الأديبات الشابات، فجاءت عام 2005 الروائية الشابة رجاء الصانع بروايتها (بنات الرياض) لتُحدث ضجيجا عاليا في المجتمع السعودي على الرغم من ضعف البناء الفني لروايتها وهو رأي اتفق عليه أغلبية النقاد، إلا أن ما يُميّز رواية رجاء أنها رواية تفاصيلها “إنترنتية” تُعبّر عن فكر الجيل الجديد من الشباب. وقامت عدد من الروائيات الشابات الجديدات بالسير على نهجها وإن تباين نتاجهن بين القوة والضعف في الطرح والاستخفاف بقواعد النص الأدبي!!
***
إلى عام 2009م وصل عدد الروائيات السعوديات إلى 113 روائية، لكن الإنتاج الرائي لم يزل يُنشر خارج السعودية مع أنَّ المتلقّي الأساسي هو القارئ المحلي!! وقد هاجرت الأقلام النسائية خارج وطنها نتيجة الحصار الفكري المتشدد المفروض على صوت المرأة بالداخل، وهو ما زادها إصرارا على كسر القيود والتحدّث بشفافية عن واقعها، والاستمرار في المطالبة بإلغاء سلطة ولي الأمر عليها. لكن هذا لا ينفِ بأن هناك إلى اليوم داخل السعودية شاعرات وروائيات يكتبن بأسماء مستعارة إمّا توجسا من ردود أفعال مجتمعهن، أو خوفا من مواقف أسرهن المحافظة، كما فعلت مؤلفة رواية (الآخرون) التي كتبت تحت اسم مستعار (صبا الحرز). وكما توارت صاحبة رواية (الأوبة) خلف اسم (وردة عبد الملك). وكما فعلت صاحبة رواية (القِرانُ المُقدّس) بالتخفّي وراء اسم (طيف الحلّاج).
***
أول مرّة تُشارك فيها الأديبة السعودية في الأمسيات الثقافيّة السعودية كان في عام 1981م، وقد أقامتها وقتذاك جمعية الثقافة والفنون بقاعة الملك فيصل بالدمام، وقد شاركت فيها القاصة شريفة الشملان عبر دائرة مُغلقة وكانت المرة الأولى التي يُسمع فيها صوت المرأة السعودية في محفل عام.
جاءت المشاركة الثانية بعدها بسبع سنوات عام 1988م تحت إشراف النادي الأدبي بالرياض وشاركت فيها أميمة الخميس وبدرية البشر وعدد آخر من القاصات. والمضحك والمثير للاستغراب في نفس الوقت أن أحد الكتّاب السعوديين حينذاك لام المرأة الأديبة على انطلاقها في تصوير مشاعرها بجرأة بين الناس، معتبرا أنّ في سلوكها نوع من التمرّد المستهجن على المجتمع السعودي.
***
“إنَّ تأليف الكتب مهنة انتحارية” كما يقول غابريل غارسيا ماركيز. وهي عند الأديبات السعوديات مسألة حياة أو موت، وقد استخدمن أدبهن للتحرر من حكم الوصاية الذي يُعيق حركتهن ويُخضعهن طوال الوقت تحت الإقامة الجبرية الأسرية!! وحوّلن أقلامهن إلى أداة انتقاميّة من الرجل الذكر الذي يملك صلاحيات مطلقة في تحديد بوصلة مصيرها!! وجاءت شهرزاد السعودية التي سكتت عن الكلام الغير مُباح طويلا لتواجه سيف الجلاد المتمثّل في سطوة المجتمع الذكوري وأخذت تحكي دون أن تتهيّب من صياح الديكة مع قرب بزوغ الفجر وانحسار ستار الليل. وكنتُ واحدة من حفيدات شهرزاد اللواتي قررن الغناء بصوت جهوري والتحليق عاليا خارج السرب!!
***
دوما تُطاردني مجموعة من الأسئلة..من أين أتيتِ بكل هذه الثورة التي تعتمل في أعماقك؟! من أين أستمديتِ هذه الشجاعة؟! متى انبثقت الشرارة الأولى لإبداعك؟! أقول بكل فخر أن الطبيعة الساحرة التي يتميّز بها الريف المصري هي من ساهمت في إخصاب خيالي منذ الصغر، وفي غرس بذور التمرّد في أعماقي، وهو ما سطّرته لاحقا في أعمالي القصصية والروائية. فالطبيعة من وجهة نظري تعني الحرية والانطلاق والحب النقي الخالي من شوائب المدنية المصطنعة، وهو ما جعلني أسقط صريعة في حب الحرية أيّاً كان نوعها وطعمها ورائحتها. لقد كانت أمي بجذورها المصرية، تحرص على أن تُسافر بنا أنا وإخوتي في صيف كل عام من مدينتي جدة، وتصطحبنا إلى قريتها الصغيرة القابعة في قلب الريف المصري لزيارة أهلها هناك. كنتُ أهرع إلى الحقول وأختار شجرة جميز ضخمة لأسند جذعي العلوي عليها وأمدُّ ساقيَّ واستمتع بمراقبة الفلاحين البسطاء وهم يفلحون أرضهم، وأكحّل عينيَّ برؤية مجرى النيل، وألاحق بناظريَّ الفلاحات وهنَّ يرفعن طرف جلابيبهن ويتمايلن مع (قللهن) الفخاريّة التي يحملنها على أكتافهن. وفي المساء بأحد الحقول القريبة كنّا نُشكّل حلقة مع أقاربنا ونستمع لحكاياتهم المشوقة عن الأشباح التي تطوف بالقرية في الهزيع الأخير بالليالي الحالكة الظلمة. كان ضوء القمر يعكس ظلاله على الوجوه فيُعطي متعة خاصة للقصص والحكايات المرويّة، لا يخترقها سوى صوت نقيق الضفادع الصادرة من (الترعة )القائمة عند أطراف القرية.
***
كان عالمي الخاص المتمثّل في القصة والرواية المكتوبة، هي الدنيا الجديدة التي أقبلت عليها بنهم، لأرتمي في أحضانها ليالي طويلة دون أن يتسرّب الملل أو الضجر إلى نفسي. تعلّمتُ من محتويات الكتب الكثير قبل أدخل مُعترك التجارب الذاتيّة، وقبل أن تصفعني الأيام بتقلباتها، وقبل أن تغوص قدماي في أراض غريبة وتورطني في مخاطرها لأواجه بمفردي عواصفها.
كنتُ أقف في صومعة الأدباء العظام بخشوع كأنني أقف في محراب معبد، وأضمُّ بين يديَّ واحدة من رواياتهم، وتذرف عيناي الدمع بحرقة على النهايات المأساويّة لبعض أبطالهم، ويفتر ثغري عن ابتسامة مضيئة حين يكتبون لهم نهايات سعيدة. وعندما وقعتُ أثناء فترة مراهقتي أسيرة للحب أول مرّة في حياتي لم أجده غريبا عني، كنتُ قد تذوقتُ طعم الحب وتبخترت بين حقوله الزاهية، ولمستُ بفكري قدرته السحريّة في إسعاد وأشقاء البشر من خلال ما قرأته في إبداعات الآخرين. تعلّمتُ كيف يتمكّن العشق من دفع الإنسان إلى التحليق في أعالي السماء، وكيف يملك القدرة على إلقاءه في الأودية السحيقة بطرفة عين.
بدأت في قراءة أجزاء كتاب “ألف ليلة وليلة” مع بداية تشكّل مراهقتي، عشقت شهرزاد التي يعود لها الفضل في تعليم المرأة فن الحكي. بهرتني هذه المرأة بذكائها ودهائها وقدرتها على التملّص من سيف مسرور الجلاّد. سرحتُ ليال طويلة في حكاياتها التي لا تنتهي، وكيف نجحت في جذب شهريار إلى عوالمها المدهشة ووقف هوس الرغبة في أعماقه لقتل كل أنثى، وتحويله من ملك مكسور الفؤاد إلى محب وديع وهو ما سطرته الباحثة فاطمة المرنيسي في كتابها الرائع (نساء على أجنحة الحلم).
تأثري بشهرزاد التي لم أرها يوما بأمِّ عينيَّ، والتي تعلّقتُ بها في فكري، هي التي دفعتني إلى المخاطرة والإقدام على مغامرات فادحة العواقب، والولوج إلى مناطق خطرة دون أن ترتجف جفوني أو أحسَّ برهبة الخوف من المجهول!! ليال طويلة تقلّبتُ فيها على فراشي عاجزة عن وضع إجابات مقنعة لمئات الأسئلة المنهمرة في مساحة فكري الصغير!! كنتُ أسأل نفسي.. هل من الممكن في المستقبل أن أصبح شهرزاد عصرية وأتملّص من تبعات أفعالي؟! هل في استطاعتي إتقان شيئا من مميزاتها؟! هل أملك القدرة على أن أكون حكّاءة عظيمة مثلها ويُشيد الناس بإمكانياتي ويهتفوا بانجازاتي؟! قررتُ في لحظة مباغتة أن أضع قلبي على يدي وأسير على هديها، وأن أسجّل بقلمي ما يمر من أمامي، وأسطّر على الورق كل ما يعترض طريقي، بالرغم من الأخطار المتربصة بي، والتحذيرات التي لقّنوها عليَّ في صغري، وكتلة التقاليد والعادات الصارمة التي ترعرعت فيها داخل مجتمعي.
***
ترى الأديبة فرجينيا وولف أن الغضب مرتبط دوما بالمرأة الموهوبة، كونها تُصارع بين ما هي عليه، وبين ما يُفترض أن تكون عليه. لكنها تُحذّر من الفن الذي ينتج تحت ضغط الغضب، بأنه سيؤدي إلى خلق فن غير سوي كالطفل المشوه الذي يُولد قبل أوانه.
وضعتُ نصيحتها نصب عينيّ. وعندما شببتُ عن الطوق وتعلّمتُ كيف امسك بقلمي جيدا بين أصابعي، وبدأت أعي ماهية الأشياء وأفهم وجوه الناس من حولي، كان أمامي خياران.. إما أن أقتل المرأة في أعماقي حتّى أنفي عن إبداعي صفة الدونية المرتبطة بعالم النساء، أو أراهن على أنوثتي وأضع فيها ثقتي، وأجعلها في حالة التحام دائم مع نصي، حتّى وإن أحدث صداما مُدوّيا داخل مجتمعي!! اخترتُ بلا تردد فضح عالم النساء والابتعاد عن رقابة المجتمع.
***
عندما نشرتُ مجموعتي القصصية (نساء عند خط الاستواء) عام 1996م، تمَّ فورا مصادرة النسخ واختلفت الساحة الثقافية وقتها مابين مؤيد ومعارض ومحايد لهذه المجموعة التي كانت أول نتاج سعودي نسائي يتحدّث عن المسكوت عنه داخل المجتمع السعودي. فالمعارضون يرون بأن مضمون القصص كان فيه مبالغة وظلم وتجنّي سافر على المجتمع السعودي المحافظ، وأن تعميم النماذج لن يُصلح حاله. ورأى المؤيدون بأن حرية البوح وتصوير وإبراز المآسي الاجتماعية بداية لمعالجتها، وأن من حق الأديبة أن تُترجم هموم بنات جنسها. ورأى أصحاب الرأي المحايد أن أسلوب الإقصاء سيؤدي إلى شيوع ظلام الفكر ورفض للغة الحوار المتعدد التوجهات.
****
من أين تستقي الأديبة موضوعات قصصها ورواياتها؟! من يختار الآخر؟! هل الأديب يختار موضوعاته، أم هي التي تختاره؟! يُقال بأن كل رواية خدعة، تحاول التظاهر بأنها حقيقة، وأن المبدع يتخفّى في رداء ساحر، مستخدما تقنيات إيهامية مُشابهة لطلاسمه السحريّة. فالمبدع تُلاحقه صور مدفونة في أغوار طفولته، ويستفزه وجه عابر، ويتفاعل مع تجاربه الحياتية، وتُلهمه المشاهد الساخنة التي تمر يوميّا أمام عينيه. وأنا كغيري من الأديبات، تظلُّ هذه الأشباح تُلاحقني في يقظتي ومنامي، وتندسُّ في فراشي محاولة اختراق جلدي إلى أن استسلم لها في نهاية الأمر وأقوم بتخليدها على الورق.
******
هل قدّمت الأديبة العربية واقعها في قالب مستحدث؟! هذا السؤال دوما يدور في مخيلتي حين أنتهي من ولادة قصة أو رواية. أشعر بأنني هربتُ من واقعي بخلق عوالم وهمية كنتُ أحلم بها ولم تسنح لي الفرصة لتذوّقها، أو التورّط في مغامرات جامحة لم أملك الشجاعة على تجربتها وأنا في كامل وعيي، مما يُحفزني لا شعوريّا على دفع غيري إلى طرقات أردتُ يوما اقتحامها، أطلق بعدها زفيرا طويلا، شاعرة بفرحة غامرة تتملكني وأنا أرى بطلاتي اللواتي كتبت بحبر قلمي أقدارهن، يتحررن من القيود المفروضة عليهن من مجتمعاتهن، فأفرح لفرحهن، واحزن لحزنهن، واسعد لسعادتهن. وكم من شخصيات صنعتها وأصابتني الغيرة منها، متمنية لو كنتُ في مكانها، وبكيتُ مع ذلك وأنا أودعهن الوداع الأخير مع وضع كلمة النهاية. نعم أحلامي حققتُ بعضا منها بين دفتي رواية أو قصة، وبعضها لم تزل حبيسة خاطري تٌلحُّ عليَّ أن أحلَّ قيودها هي الأخرى لتنعم بحريتها.
***
أنا ابنة بيئتي، لم تزل التحذيرات التي لقّنتها لي أمي في صغري راسخة في فكري، بحتميّة إسدال أهدابي، حين أتعرّض لموقف يتنافى مع طبيعتي الأنثوية، لذا ما أن أسمع كلمة إطراء تُلهب مشاعري حتّى تتخضّب وجنتاي خجلا!! لكنني أتملّص من تحفظي، وأحسر الخمار عن رأسي، حين أكون في حالة حميميّة مع إبداعي، فأمرح وارقص مع بطلات قصصي ورواياتي، أمارس ساديتي عليهن حينا، ومازوشيتي حينا آخر، واخرج لساني لموروثاتي الاجتماعية، وأقول لها انظري لقد خلقتُ نساء قادرات على الوقوف في وجهك ومحاربتك، دون أن تملكي القدرة على مقاضاتهن أو توقيفهن في مخفر شرطة أو تشويه سمعتهن بين الناس أو حتّى منعهن من أن يعشن قصص حب حقيقيّة في وضح النهار.
***
سألني أحد الصحافيين: أين النقاد من أدبك؟ لماذا يحجمون عنه؟ ألأنّك تكتبين أدباً يتميّز بالجرأة والمكاشفة؟ حِرتُ بداية في كشف النقاب عن الحقيقة المرة. لكنني أقولها صراحةً: إذا كنا نعيش اليوم زمن انحطاط فكري واجتماعي وسياسي، فما العجب إذا أحجم النقاد عن الأدب النسائي؟ للأسف النقاد الرجال وأستثني قلة منهم، ما زالوا يستهينون بنتاج المرأة، ويرون أنه أدب بوح ومناجاة وأداة للتنفيس عما تعانيه من جور اجتماعي وقمع فكري. وفي معنى أدق هو أدب يدور في منظومة غريزة الأمومة، والعاطفة المكبوتة، والهم الخاص، وبعيد كل البعد عن الواقع السياسي والاجتماعي العام، وهو ما جعلهم ينصرفون عنه بحجة أن لا دور أساسي له في تطوير حركة التاريخ، وبالتالي لا وجود له في نسيج الأدب العربي.
***
لماذا فضّلتُ عالم الرواية والقصة؟! يُلقى عليَّ هذا السؤال كثيرا في الحوارات التي تُجرى معي. من وجهة نظري، يظل هذا العالم المنبر الأقدر على كشف المستور، وفضح الحقائق الملتوية. فالمرأة المبدعة من خلال هذا الجنس الأدبي، تستطيع تعرية شخوص رواياتها، وتركها تتصرف على سجيتها، وتُعلن عن رغباتها، وتتنفس بحرية، مبيّنة مستواها الفكري، فاضحة مرتبتها الاجتماعية، وهو ما يجعلني أميل للمقولة الرائجة بأن الكتابة عملية لا أخلاقية.
إننا لا نختار أمهاتنا ولا آباءنا ولا نُحدد لحظة ميلادنا، كذلك الكتابة هي قدر حتمي يستسلم لها الكاتب بطوع إرادته، مستعذبا التمرّغ في أحضانها وإن لسعته بلدغاتها القاسية في بعض الأحيان!! كما أن الكتابة تقوم طوال الوقت بمشاغبة صاحبها، وأنا بطبعي أكره الحياة الروتينية وأحبُّ الصخب الذي يُوقد فكري، لذا مهما كانت ردود أفعالي عنيفة تجاه حاجياتي الخاصة إلا أن ذبذباتها تُشعرني بأنني ما زلتُ أحيا، وتتيح لي الفرصة لممارسة آدميتي بكل تناقضاتها، وأنني لستُ مجرد دمية تتراقص بخيوط قدرية لا حيلة لها في التحكّم بخطواتها!
إنني أجد الكتابة مثل النهر الذي ينبع من جهة ليجري في اتجاهات أخرى، لكنه بالتأكيد يروي عطش كل عابر سبيل يمر بشطآنه.
***
الكتابة فعل فاضح لكنه سلوك مرتبط بذاكرتي!! بمعنى أن كل رواية ما أن أفرغ منها حتّى تسقط أحداثها في بئر النسيان. لا اختلف حينها عن القاتل الذي يختار ضحاياه تحت جنح الظلام، ما أن يقترف جريمته حتّى يغسل يديه وينسى وجوه قتلاه. لكن الفرق بيني وبين القاتل الحقيقي هو أنني أهتك عرض أبطالي على الورق دون أن أترك أدلة دامغة على أرض الواقع تُثبت تورّطي وفداحة فعلتي.
كثيرا ما يعترضني أحدهم ليسأني عن مغزى قصة كتبتها، أو تستوقفني قارئة لتناقشني في فصل معين بإحدى رواياتي، أخجل من القول أنني أنسى ما سطّرته بمجرد أن أفرغ منها، كي لا يتسّرب الشك إلى سائلي ولو لهنيهة بأنني لستُ بكاتبة الرواية ما دمتُ أجهل أصلها وفصلها خاصة أنّي امرأة مشكوك في نصاعة فكرها!! ولا أدري حقيقة إن كانت هل هذه الصفة مقتصرة عليّ، أم أنها تنطبق على أغلبية المبدعين!!
في مرات عديدة حين أكون في حالة انسجام مع ذاتي، أعود إلى كتبي وأتصفّح ما سطّرته في الماضي، ينتابني إحساس بأنني غريبة عن بعض نصوصي كأنني أطلُّ من شرفة منزلي على منظر لم أعتده، وتجتاحني حينها رغبة في التنصّل من هذه النصوص، وتلحُّ عليَّ فكرة جهنمية في أن أذهب إلى المحكمة لأعلن تبرّئي منها بل ومطالبة القاضي بتقييدها ورميها خلف القضبان. لكنني أعود فأطرد هذه الخواطر الخبيثة من رأسي. كيف يمكنني أن أخطو هذه الخطوة القاسية في حق أبنائي الذي أنجبتهم بعد ولادات متعسرة وأشرفتُ على الهلاك بسببها؟! وهل هناك أم تتبرّأ من أبناءها وإن خرجوا عن طوعها أو قصّروا في حقّها، أو تشعر بالسعادة حين تراهم مقيدين بالأغلال لمجرد أنهم لم يعودوا مؤمنين بأفكارها أو أعطوا ظهورهم لمعتقداتها!!
لقد لاحقتني هذه المشاعر فترة من الزمن مع مجموعتي القصصية (نساء عند خط الاستواء) ولا أدري هل هذا يعود لأنني تلقيتُّ وقتها ضربة مؤلمة على رأسي عقابا لي على كتابتها، وتعرّضتُ لسلسلة من الإهانات بسببها، أم لأنني كتبتها في مرحلة سابقة من عمري!!
بلا شك أن كثير من مرئياتنا في الحياة تتغيّر مع تزاحم التجارب في جعبتنا، ومعرفتنا العميقة بالأشياء والناس، لكنني ما زلتُ حريصة على أن لا تفلت خيوط طفولتي من بين يديَّ وتضيع مني في زحام الأيام، فهي التي تجعلني أكتب بعفوية صادقة وبقلب متشبّث بالدنيا.
***
عندما أكتبُ رواية، ترتسم في مخيلتي مجموعة من الناس، فيهم من يُلاحقني وفيهم من ألاحقهم، تماما كما يحدث في تفاصيل حياتنا اليوميّة. فهناك أشخاص يُثيرون إعجابنا ويلفتون انتباهنا منذ الوهلة الأولى، فنلاحقهم بنداءات أعيننا حينا، وبسكب كلمات الإطراء في آذانهم حينا آخر، حتّى يقعوا في مصيدتنا وينساقون خلفنا. وهناك أشخاص نلتقي بهم كل يوم، مع هذا لا يعلقون في ذاكرتنا، ولا يُحركون ذرة في وجداننا، لكنهم مع طول ملاحقتهم لنا يتسلطون على أفكارنا ويرغموننا على أن نضع أسماءهم في قائمة أصحابنا، لكننا نتحيّن الفرصة للانقضاض عليهم وإزاحتهم عن طريقنا.
هذا ما تفعله معي شخوص رواياتي. وأتذكّر بأنني عندما كتبتُ روايتي (ملامح) ظلّت ثريا بطلة الرواية تُلاحقني في يقظتي ومنامي، حتّى ضقتُ ذرعا بمشاغباتها، ومللتُ من مطاردتها لي، فأرديتها قتيلة دون أن ترجف جفوني على موتها أو أحزن على فراقها، مطمئنة بأنّي سأفلت من العقاب، فليس هناك قانون موثّق سيُحاسبني على جريمتي الوحشية!!
***
التلصص على ما يكتبه الروائي هي عادة مستحكمة لدى أغلبية القرّاء. وكثيرا ما تصلني رسائل من قرّاء فضوليين عبر بريدي الإلكتروني يدور محورها حول أسئلة محددة: هل شخوص رواياتك حقيقيّة من لحم ودم؟! هل قصصك هي انعكاس لتجارب شخصيّة مررتِ بها في حياتك؟! هل هي من صُنع خيالك، أم أنها بالفعل مقتبسة من الواقع المعاش، وأن كل ما ذكرته يحدث بالفعل في مجتمعك؟!
دوماً أردد بأن الروائي الحقيقي ماهر في اختراق خصوصيات الآخرين. وأن الفرق بينه وبين الإنسان العادي يكمن في قدرته الفائقة على خلق عالم خيالي. لكن هذا العالم لا ينبثق من فراغ وإنما من تلك الأرض التي ترعرع فيها، والتي وقع أسير حبّها دون أن يدري! لذا فهو يغار عليها من أي سلبيات عفنة تنفذ لخياشيمه! متوعداً في لحظة نزق وهو ممسك بقلمه، أن يفضح ما يلمسه بيديه ويراه بعينيه ويسمعه بأذنيه، وفي قول ما لا يستطعْ أن يُجاهر به عامة الناس!
***
في واحدة من محاضراتي اعترفت بأن الكتابة حررتني من عُقدي. فالمرأة العربية تحمل مجموعة من الموروثات العقيمة التي جعلتها تكبت أحلامها وتطلعاتها حتّى لا تُتهم بأنها امرأة مستهترة جاحدة لا تعرف الوفاء وتنقض العهد بسهولة، وأنها تُريد السطو في وضح النهار على حقوق الرجل صاحب الفضل عليها والساهر على حمايتها طوال الليل حتّى لا تلتهمها ذئاب الطريق!! لذا ليس هناك أحلى من أن تُمارس المرأة العربية كل ما ترغب فيه وتودُّ في أعماقها التمرّد عليه بتجربته في حريّة مطلقة على الورق، كونها واثقة بأنه لا يُوجد قاض مهما بلغت مهارته على محاكمتها أمام الملأ، أو يستطيع رقيب متعصّب الرؤيا تحجيم تطلعاتها وتبديد أحلامها!!
***
هناك دوما صدام بيني وبين مجتمعي بسبب حرصي على أن أحسر الغطاء عن وجوه أبطالي وأدعهم يُمارسون حياتهم بالطريقة التي يرغبونها، مبينّة إنسانيتهم وشبقهم وجنونهم، وهو ما يجعل الرواية مجموعة من حيوات حيّة يتسلل أنين أبطالها من بين الصفحات وهو عنصر هام في نجاح رواياتي. كما أن عنصر آخر ساهم في نجاحها يكمن في قدرتي على خلق لغة للحوار تتناسب مع كل بطل من أبطال رواياتي. فلا يمكن أن أجعل امرأة عاهرة تتحدّث بلغة راقية وهي تعيش في بيئة منحلة. ولا يمكن أن أجعل رجلا فاسق يتحدّث بلغة محترمة وهو لا يعرف أبجدياتها.
صحيح أن هذا الحرص جعلني في طوال الوقت في موضع اتهام، وفي حالة صدام دائم مع شرائح معينة داخل مجتمعي، على اعتبار أنني أخدش حيائي الأنثوي بكتابة ما لا يصحُّ كتابته إلا أنني لم أعبأ يوما بمنافقة أحد لأنال الأوسمة، بل كل همّي منحصر في أن أكون صادقة النية مع قلمي أولا، ومع شخوص رواياتي ثانيا بتحريرهم من آفة الازدواجية الشائعة في تربة مجتمعي، وأدعهم يعيشون بالطريقة التي يرغبونها.
***
هناك دوما سؤال فضولي يقف على طرف ألسنة البعض عن سر نجاح رواياتي؟! لا يدرون بأن إظهاري الطبائع البشرية لشخوص رواياتي، وتحريرهم من سطوة العادات والتقاليد قد جعلت منهم أناس من لحم ودم، ليكتشف كل قارئ يتلصص على كتاباتي بأن في أبطالي جوانب من شخصيته الخفيّة!! لذا أردد دوما بأن الكتابة كانت وما زالت الصدر الحنون الذي ارتمي في أحضانه وأهمس في أذنيها بآهاتي حين تعجز نفسي عن مواجهة قسوة الحياة.
***
أُتهم دوما بأنني أصوّر الرجل في عوالم رواياتي، بأنه الظالم المتجنّي على المرأة، ولكن الحقيقة الراسخة في وجداني، هي أنني لم أقف يوما في مواجهة الرجل، ولا أفكر بتلويح سيفي في وجهه، فالرجل يُمثل همزة وصل حقيقيّة في حياتي، لكنه في نفس الوقت يُشكّل علامة استفهام كبرى في فكري!! فأنا أقف ضد موروثات اجتماعية هي في الأصل نتاج عقول ذكوريّة متخلفة، ساهمت في منح الرجل الكثير من الصلاحيات، وحصرت نظرته الضيقة في المرأة على أنها مجرد صندوق أثري، من حقه أن يُلقي بداخله أشياءه القديمة بلا مبالاة، على اعتبار أنها تُمثل جزءا لا يتجزأ من إرثه التاريخي!!.
***
في العالم أجمع ظلّت المرأة ملهمة الأدباء والفنانين، والتاريخ سجّل الكثير من النصوص التي كانت المرأة فيها نبعا فيّاضا لإبداعاتهم، بل إن بعضهم بنوا صروح أمجادهم الأدبية على رفات النساء، في الوقت الذي غضّ التاريخ الذكوري الطرف عن الكثير من الإبداعات النسائيّة التي كان فيها الرجل مصدر إلهام للمرأة، من منطلق أن المرأة محظور عليها أن تطال قامة الرجل لئلا تنتقص من قدره وتطعن في رجولته بحسب ما يردده الموروث الاجتماعيّ! بل أن المرأة التي تجاسرت وتمردت على هذا القانون الذكوري ووطأت بقدميها أرضاً غريبة عليها، اُعتبرت امرأة مسترجلة تخلّت عن أنوثتها، وفرض سياج من الشك والريبة حولها، وإخضاعها للمساءلة القانونية والاجتماعية. وهو ما يدفعني للتوقف عند عبارة الأديبة غادة السمان، بأن المرأة المبدعة تتعامل مع إبداعها من خلال موروثها الثقافي، بمعنى أن كما الرجال قوامون على النساء، كذلك الأدب الرجالي قوّام على الأدب النسائي.
***
أحيانا أغرق في أحلام يقظتي، فأتخيّل نفسي أسير في نفق طويل مظلم، حاملة بيدي شعلة يشعُّ منها ضوء قوي، لأجد نفسي مع طول المشي تنهدُّ قواي ويخفت ضوء الشعلة حتّى تنطفئ تماما وتعود الظلمة تُحيط بي من كافة الاتجاهات. أوقن لحظتها بأن كل الأشياء مصيرها يوما إلى زوال وأن أهم شيء في الحياة أن لا يعيش الإنسان على هامشها ثمّ يموت نكرة لا يلتفتُ إليها أحد. لذا فأنا أعتبر نفسي من البشر المحظوظين كوني لم أعش حياة راكدة بل عشتُ حياة عاصفة وإن تخللتها أنهار من الدموع!! لقد جاهدتُ طوال عمري لأترك خلفي إرثا أدبيّا وإن أختلف الناس حوله!! بين من يكنُّ لي الحب ويُوقن بأني قدّمتُ حراكا جميلا، وبين من سيُخرج لسانه ممتعضا متهما إيايَّ بأنّي اقترفتُ إثما عظيما في حق مجتمعي بتلطيخ سمعته أمام القاصي والداني!!. نهاية الأمر أترك أمر مقاضاتي للتاريخ فهو الحكَم المنصف.
***
أن تكتب المرأة فهذا يعني أنها قررت الانفصال عن قبيلة النساء الخاضعات المستسلمات لأقدارهن المرسومة، ونجحت في أن تكتب شهادة عشق خالدة مع ذاتها، فليس هناك أجمل من أن تكون المرأة مخلوقا استثنائيّا وتنجح في رفع راية التمرّد والثورة ضد قوانين قبيلتها.
***