الصينيون هم الأذكى
الصينيون هم الأذكى
الأحد 12/05/2012
الصينيون قادمون، عبارة غير مبالغ فيها. انظر حولك، ستجد أن المنتجات الصينيّة المُقلّدة قد غزت بشراسة كافة أسواق العالم، نتيجة لأثمانها الزهيدة مقارنة بأسعار السلع الأصلية الباهظة الثمن المصنّعة في البلدان الأخرى. ولو دققت في أي ماركة ملابس عالمية ستجد مكتوباً على لاصقتها القماشيّة الداخليّة عبارة “صُنع في الصين”. وهذا يعود بالتأكيد لاتجاه الشركات الكبرى إلى هناك لرخص أجور الأيدي العاملة فيها. ولو فكّرت في زيارة المعاهد المنتشرة في بريطانيا والمتخصصة في تدريس اللغة الإنجليزيّة، ستجد بأن أغلبية طلاّبها صينيين جاءوا من تخصصات مختلفة وأعمار متفاوتة لتعلّم الإنجليزيّة.
التقدّم المذهل السريع الذي تعيشه الصين، ليس وليد التو واللحظة، بل يعود إلى النظام التعليمي الذي استحدثته الصين في العقود الأخيرة، وجعلها تُصبح ضمن قائمة الدول العظمى بالعالم. وبالرغم من الانتقادات الموجهة إليها في مجال حقوق الإنسان، إلا أن هذا لا يمنع من القول إنها قد فرضت وجودها ودفعت الكثير من دول الغرب إلى التعبير عن إعجابها وانبهارها بخطواتها التعليميّة.
الصين التي تجاوز عدد سكّانها ملياراً وأربعمائة مليون نسمة، لم تجعل تعدادها الضخم يقف عقبة أمام تقدّمها، كما تُبرر ذلك أنظمة دول العالم الثالث! وإنما شمّرت عن سواعدها واضعة نصب عينيها أن طريق التعليم هو الأساس لبناء دولة قوية ومجتمع متنوّر.
التقرير الذي أجرته مؤخراً منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من خلال اختبار (بيسا) والذي يُشرف عليه (أندرياس شلايشر) المسؤول عن هذا الاختبار، يُوضّح أن النظام الصيني يتجاوز في جودته الكثير من الأنظمة التعليمية المتبعة بدول الغرب، وأنّ مدينة شنغهاي تأتي في المركز الأول في تسلسل جودة التعليم. ويقول “شلايشر”، الذي يتمتّع بمصداقيّة عالمية في الدوائر التعليميّة بالعالم، أنه لفت انتباهه أن مباني المدارس تعدُّ من أفخر المباني، بعكس أغلبية البلدان الغربية، التي تكون فيها مراكز التسوّق هي الأفخر. مبيناً إلى أن الطلبة الصينيين يُحققون نجاحاً مذهلة رغم خلفياتهم الفقيرة، لإيمانهم بأن التعليم هو مفتاح النجاح الحقيقي، وللشعور بالمساواة التي يحظون بها مع زملائهم من الطبقة الميسورة الحال، إضافة إلى ضخ المستثمرين أموالهم في مجال التعليم، وتسخير الجهد الفردي والجماعي من أجل رفعة المجتمع الصيني.
أوباما علّق على مضمون تقرير “شلايشر” بالقول “إن البلاد التي تتفوّق علينا في مجال التعليم اليوم، ستتفوّق علينا في باقي المجالات أيضاً”. وهو ما يُدفعني للتساؤل.. لماذا في عالمنا العربي يصبُّ رجال الأعمال العرب أموالهم في إقامة قنوات ترفيهيّة دون أن يفكروا في إنشاء مراكز علميّة أو المساهمة في مشاريع تعليميّة؟! لماذا لا نسمع عن مجهودات فرديّة للنهوض بالفرد العربي إلا فيما ندر!
تخيّلتُ مباني مدارسنا الحكوميّة التي أغلبها متصدعة متهالكة خالية من أي مرافق علميّة حديثة، رغم الميزانيّة الضخمة المخصصة لمجال التعليم! تحسرتُ على مناهجنا التعليمية عقيمة المضمون التي عفا عليها الدهر، وتُخرّج لنا سنويّاً أجيالاً أميّة فكريّاً وعلمياً! ترحمتُ على أزمنة كانت فيها مجتمعاتنا أكثر استنارة من حاضرنا المظلم!
هناك بلا شك أيدٍ خفيّة من مصلحتها أن نظلّ محاصرين داخل طوق الردّة الفكريّة والجمود الحضاري! ومن الواضح بالرغم من مظاهر التقدم التكنولوجي الذي نحيا فيه، إلا أن مجتمعاتنا العربية تتأخر تعليميّاً وثقافيّاً، وتنحدر فيها القيم الأخلاقيّة والإنسانية يوماً بعد يوم!
أتمنى كما شرّعنا نوافذنا لنشاهد ما يجري في العالم من حولنا، أن نتعلّم كيف نمسك بطرف الخيط، كي نضع أقدامنا على بداية الطريق الصحيح، ونكتشف بأنفسنا من أي جهة تُشرق الشم