كنتُ أتمنى ولكن!!
كنتُ أتمنى ولكن!!
الأحد 12/02/2012
كعادتي في كل مرة أحضر فيها إلى القاهرة لحضور فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، أجد قدماي تسوقني بدون أن أدري صوب الجناح السعودي الذي يقف شامخا ومتعاليا وسط الأجنحة المتعددة الخاصة بدور النشر الأخرى.
هناك حميميّة خاصة بيننا كشعوب وبين أوطاننا، كأننا مدمنين على عشقها منذ لحظة خروجنا من بطون أمهاتنا وتسجيل هويتنا في شهادات ميلادنا، وهو ما يجعلنا نهيم في حبّها ونتمنى أن نراها على الدوام في طليعة الدول المتحضرة فكريا وثقافيّا وإجتماعيّا.
وعودة إلى معرض الكتاب الذي يفتح دوما شهيتي لإقتناء ما لذ وطاب من الإصدارات الجديدة في عالم دور النشر، إلا أن غصة تقف في حلقي والحسرة تملأ فؤادي وأنا أتجوّل في أروقة جناح بلادي متساءلة بصوت هامس.. أين الأدب السعودي وسط هذا الزخم من كتب التراث والكتب الدينية التي تمتلأ بها الأرفف؟!
هجرة الكتاب السعودي خارج وطنه من يتحمّل مسئوليته؟! هل يتحملها الكاتب كونه يخاف على وليده من التشويه الرقابي والتعرّض للقص والحذف؟! هل يرجع ذلك إلى رغبة الكاتب في تجاوز النطاق المحلي إلى رحاب أوسع والإنتشار عربيّا ودوليّا؟! هل إغراءات دور النشر العربية في استقطاب الكاتب السعودي له دور في ارتماءه في أحضانها؟! هل يرجع ذلك إلى أن هذه الكتب تقع مسئولية نشرها وتوزيعها على الدور التي قامت بطباعتها وبالتالي لن تسمح بأن تُعرض في الجناح السعودي؟!
من يُطالع مناهجنا الدراسيّة سيجد بأن الأدب السعودي المعاصر مغيّب، لا مكان فيه للأدباء السعوديين من الجنسين إلا عددا محدود جدا ممن تجده الوزارة يتوافق مع نهجها التعليمي!! إضافة إلى أن أدب المرأة السعودية غير متواجد مطلقا في مقررات الأدب. ولا أدري هل يعود هذا إلى النظرة المستهجنة للأدب المعاصر السعودي، أم أنه تأكيدا على عدم الإعتراف بأصحابه في وطنهم كأدباء حقيقيين؟!
كنتُ قد لمّحت منذ فترة إلى رغبتي في تقديم نسخ من أعمالي الروائيّة إلى جامعة أهلية بالسعودية ولكن قُوبلت تلميحاتي بالتجاهل، كما أبديتُ رغبتي في الإلتقاء بطالبات قسم الآداب للتحدّث عن تجربتي الروائية لكي يستفيد منها الجيل الجديد ولكن قُوبلت رغبتي بالصمت، في الوقت الذي تمَّ كتابة خمس رسائل ما بين ماجستير ودكتوراه في أعمالي الروائيّة من دول عربية وإسلامية ، وتم توجيه دعوة لي مؤخرا للإلتقاء بطلبة وطالبات إحدى الجامعات الأمريكيّة داخل أمريكا نفسها.
يُحرنني أن نعيش كغرباء داخل بلادنا ويتم التعتيم على نتاجنا، في الوقت الذي يحتفي العالم من حولنا بأدبنا وإعتباره أدب ثوري بامتياز كونه خرج من رحم موروثات إجتماعيّة صارمة، ويواجه تحديات كبيرة.
أدرك بأن الأدب ليس له جنسية، وهو قادر على تجاوز الحدود وإختراق المسافات دون جواز سفر وتأشيرة عبور، لكن بلا شك كل أدب ما هو إلا صرخة عالية في وجه المجتمع الذي ينتمي إليه صاحبه. قد يكون صرخة إحتجاج وألم، وقد يكون صورة حيّة يقوم مؤلفها برسم حال مجتمعه بقلمه، لذا ليس عيبا ولا حراما ولا خرقا لقانون البشرية أن تدعم مؤسسات الدولة الثقافيّة مبدعيها وتُكّرم روادها.
تُرى ألم يحن الوقت أن تتبنى وزارة الثقافة، الأدب السعودي وتأخذه في أحضانها وتربّت على ظهره بحنان صادق؟! ألم يأن الأوان أن تُدافع وزارة الثقافة عن الكتاب السعودي وتدعه يعيش حرّا طليقا داخل وطنه بدلا من تسكعه مجبرا في مكتبات دول العالم ليعيش فيها غريبا ويلفظ أنفاسه الأخيرة بعيدا عن أرضه؟!