عندما تغضب الطبيعة!
عندما تغضب الطبيعة!
الأحد 20/3/2011
تخيّل وأنت ذاهب آمناً إلى فراشك مساء بعد أن تُقبّل بحنو أطفالك الصغار قبلة النوم، أن تستيقظ فزعاً على موجة ماء عالية تغمرك وتدفعك بقوة خارج منزلك جاهلاً مّا آل إليه مصير أسرتك. تخيّل أن تقضي وقتاً طيباً مع أصدقائك بمقهى صغير على وعد أن تراهم في الأسبوع القادم، لتكتشف صبيحة اليوم التالي أن الأرض تهتزُّ من تحتك، وأن قوّة خفيّة تجرف جسدك صوب جهة مجهولة، وأن أصحابك قد غدوا في عداد المفقودين. تخيّل أن تجد نفسك فجراً تعيش تفاصيل فيلم رعب على أرض الواقع وأنك تُجسّد بالرغم عنك دور أحد أبطاله!
ليس هناك أسوأ من أن يطرق الموت بابك وأنتَ لاه عنه بمشاريعك الحياتيّة. ليس هناك أصعب من أن يفقد المرء أشخاصاً أعزاء على قلبه. يتمنى لحظتها لو كان يملك عصا سحرية ليمحو الواقع الأليم، أو لو كان يملك القدرة على منح أحبائه ساعات أو أياماً أو سنوات أخرى ليعيشوها وينعم بصحبتهم.
كلها تداعيات حزينة انهمرت في خاطري وأنا أتابع بأسى ما جرى مؤخراً في اليابان نتيجة الزلزال المدمّر الذي اجتاحها والناس نيام داخل بيوتهم. وضعتُ يدي على قلبي وكتمت أنفاسي وأنا أشاهد حجم الخراب الذي خلّفه الزلزال موصلاً عدد ضحاياه إلى السبعة آلاف ومتوقعاً أن يتزايد ليصل إلى عشرة آلاف شخص.
ما وقع في اليابان يؤكد بأن البشرية مهما بلغت من تقدّم علمي، ونجح العلماء في إحراز إنجازات علميّة عظيمة، إلا أن الإنسان يقف عاجزاً أمام الطبيعة عندما تُكشّر عن أنيابها وتكشف عن وجهها الغاضب. تُرسل رسالة ضمنية للإنسان الذي أغترَّ بعقله، أنه لم يزل طفلاً ساذجاً في مدرستها الكبيرة، وأن عليه أن لا يتمادى في غيّه أكثر ويكفَّ عن العبث بمحتوياتها دون مراعاة لمشاعرها أو أخذ الاعتبار بصحة بنيتها!
اليابان التي تعافت من جراحها بعد خروجها مهزومة من الحرب العالمية الثانية وعادت لتبهر العالم بما حققه شعبها من إنجازات علميّة، هي نفسها التي جعلت العالم يكتم أنفاسه جزعاً، وهو يُشاهد عبر التلفاز حجم الدمار الذي خلّفه الزلزال الذي أجتاح جزرها في كارثة لم تتكرر منذ أكثر من قرن.
ما يجري اليوم من مآسٍ إنسانيّة في اليابان، من موت لآلاف الضحايا وتدمير للبنية التحتية، ومخاوف من التلوّث الإشعاعي، أعادت إلى أذهان الناس ما جرى في ثمانينيات القرن الماضي عندما وقع انفجار مفاعل “تشيرنوبل”، الذي أباد قرى بأكملها، وأجدب أرضها، وجعلها غير صالحة للعيش، وتسببه في تشويه وقتل آلاف الأشخاص ممن تعرّضوا للإشعاعات النووية، مما جعل العلماء حينها يُعلنون بأن آثاره القاتلة تُعادل ما خلفته القنبلتين الذريتين اللتين سقطتا على مدينتي هيروشيما وناجازاكي.
ساذج من يعتقد بأن العلم قادر على لي عنق الطبيعة أو قادر على إذلالها أو جعلها عبدة طيّعة له! الطبيعة مثل المرأة الحرّة المتمردة شرسة الطباع، التي ترفض أن تنقاد خلف سيدها الأرعن بحجة أنه يملك من الخبرات ما يؤهله للسيطرة عليها وإخضاعها تحت إمرته أمد العمر!
إنها رسالة للعالم أجمع يقول محتواها بأن الوقت قد حان لأن يرأف الإنسان بكوكبه، ويكفَّ عن هتك حرمته صباحاً ومساء بحجة تطويعه لمصلحة البشرية! هذا الكوكب يصرُّ أن يقول لنا بصوت حاد النبرات إنه الأقوى بالرغم من كل شيء. وإن على العلماء أن يكونوا أكثر رأفة بأرضهم التي ائتمنهم الله عليها. وإن العلم الذي يتفاخرون به قد يكون أحيانا نقمة عليهم وليس نعمة!