“هيلتون”
“هيلتون”
الأحد 19/6/2011
هناك عدد من الأعمال الأدبية المصرية تنبأت بقيام ثورة يناير قبل أن تنفجر وتصبح أمراً حقيقيّاً على الأرض. وتحدّث أصحابها عن مظاهر الفساد التي كانت تنخر بلا رحمة في جسد المجتمع المصري، وعن من عاثوا فساداً ونهبوا ثروات بلدهم. وقد استخدم بعض الروائيين الرموز في الإشارة لهذه الأسماء حتّى يضفوا الشرعية القانونيّة على أعمالهم الأدبية ولا يُلاحقهم أبطالها الفعليون في ساحات القضاء بحجة التشهير بهم والتشكيك في نصاعة كفاحهم!
رواية “هيلتون” التي كتبها الصحفي المعروف سامي كمال الدين، من الروايات التي تنبّأت بثورة يناير قبل وقوعها من خلال تسطير المؤلف العبارة الأخيرة للرواية “نظر الرئيس من شرفة بيته فرأى دخاناً يتصاعد بقوة من ميدان عبد المنعم رياض، ظنّ أن مصر تشتعل بثورة شعبية فأوصد باب غرفته عليه وصمت”.
صدرت رواية “هيلتون” قبل عام تقريباً من قيام الثورة، وهذا يعني بأن أغلبية الأدباء لديهم حاسة سادسة في التنبؤ بما يخصُّ مستقبل أوطانهم، ونظرتهم الثاقبة في تفحّص وجوه الناس وملاحقة الأحداث من حولهم، لذا أكرر ما قلته سابقاً بأن الرواية تاريخ موثّق يجب على المؤرخين الأخذ بمضامينها حين يُقررون كتابة تاريخ بلدانهم.
وعودة لرواية “هيلتون” فهي تتحدّث عن ثلاثة شبّان هشام وشادي وعدنان. لكل واحد منهم همّه الخاصة وإنْ كانت تجمع الثلاثة هواية تصيّد النساء وعشق المتع الوقتيّة، لكن تظل شخصية هشام المحور الرئيسي، الذي تدور من خلاله أحداث الرواية، بينما طفت حيناً وغابت حيناً آخر كلّا من شخصيتي شادي وعدنان.
هشام عبد الحميد صحفي جريء، حلم منذ صغره أن يُصبح صحفيّاً لامعاً ليُدافع عن حقوق الضعفاء، ويُلاحق مشاهد الفساد التي استشرت في زمنه، وهو الشاب الموهوب الذي عانى في طفولته من الفقر وتحمّل أمه بعد وفاة والده مسؤوليات تربيته وتعليمه.
يتحدّث هشام بلسانه عن مثله الأعلى في الصحافة الذي كان يشغل منصب رئيس تحرير لإحدى الصحف البارزة في مصر، وكيف صُدم في هذا الرجل الذي كان يُنادي بمبادئ القومية العربية ومحاربة الإمبريالية، ليكتشف بأنه صورة مزيفة مثل آخرين غيره ممن صادفهم في حياته وتقلّدوا المناصب بالادعاءات والشعارات الكاذبة!
وهناك داليا التي قضت ثلاث سنوات في بيروت لدراسة العلاقات العامة ثمّ تعرّفت أثناء دراستها بسيدة أعمال عربية مشهورة، لترأس بعد عودتها للقاهرة طاقم السكرتارية الخاص بهذه السيدة المتزوجة برجل عربي ذائع الصيت في بلاده، لتكتشف أثناء عملها كيف يُصبح المال سلطة جبّارة للعبث بمقدرات الناس وتحويلهم سخرة لخدمته!
وهناك رامي فكري الشاب الذي نشأ في بيئة غنية وأهدر أمواله التي ورثها في مشاريع وهمية، ويضطر إلى تولي وظيفة ضابط أمن بفندق الهيلتون، وكيف ينتهي مصيره إلى الحكم عليه بالسجن بعد تورطه في أعمال منافية للآداب العامة ووضع نفسه تحت أمرة كل باحث عن المتع الرخيصة!
الرواية تغمز على بعض رموز الفساد في مصر، وكيف تحولوا بأساليبهم الملتوية إلى ديناصورات ضخمة تلتهم كل من يقف في طريقها! وعن سلطة المال في شراء الذمم! وعن الصفقات المشبوهة التي كانت تُدار في الخفاء وتسببت في إزهاق أرواح بريئة، وعن دنيا الشهوات الرخيصة!
ما يؤخذ على رواية (هيلتون) أنها تفتقد للصياغة الأدبية، والسرد مكتوب بلغة بسيطة أقرب إلى الأسلوب الصحفي، وربما هذا يعود إلى أن سامي كمال الدين لم يستطع التخلّص من شخصية الصحفي المتمرّس، لكن هذا لا ينفِ وجود حبكة روائية لهذه الرواية الصاخبة.