سيادة ثقافة الخوف!
سيادة ثقافة الخوف!
الأحد 14/8/2011
وأنا أتابع عبر شاشة التلفاز مشاهد العنف، التي وقعت مؤخراً في عدّة أحياء بمدينة لندن، واندفاع آلاف المشاغبين في الطرقات، وقيامهم بنهب عدد من المحال التجارية، ورميهم الشرطة بمواد حارقة، عادت بي الذكرى إلى العراق بعد سقوط نظام صدام. وكيف صوّرت كاميرات الصحفيين وقتها تدافع بعض الناس صوب القصور الرئاسية ونهب ما فيها من أثاث وتحف نفيسة، وكيف تمّ السطو على المتحف العراقي وسرقة آثار نفيسة منه لم تستعدها العراق إلى يومنا هذا!
قال رئيس وزراء بريطانيا مخاطباً مجلس العموم: “لن نسمح بسيادة ثقافة الخوف في شوارعنا”. وهي عبارة تحتوي على الكثير من المضامين المهمة خاصة في هذا التوقيت الذي تعمُّ فيه الاحتجاجات أرجاء واسعة من العالم وعلى الأخص بلداننا العربية!
يُقال بأن سبب أحداث العنف في لندن يعود إلى مقتل شاب أسود وأب لأربعة أطفال على يد الشرطة، فكان الشرارة التي أدّت إلى تفجير غضب الفقراء والتعبير عن استيائهم من ارتفاع مستوى المعيشة داخل بريطانيا، وتزايد نسب البطالة بين الشباب! وهذا يعني بأن كافة شعوب الأرض تتشابه في إنسانيتها كما تتشابه في جيناتها حين تحس بالظلم وتشعر بالمهانة!
الشاب خالد سعيد الذي قُتل على يد مخبرين في مصر، كان دافعاً قوياً لاشتعال ثورة الشباب في مصر وإنهاء نظام فاسد استمر لثلاثة عقود! وها هو مقتل شاب في بريطانيا يكون سبباً مباشراً في اندلاع احتجاجات، لا نعرف إلى أين سينتهي بها المطاف.
المضحك في هذا الحدث المؤسف، الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء حول تعليق القذافي على ما جرى في لندن، بأن على كاميرون أن يتنحّى حيث أنه فقد شرعيته بسبب تعامل الشرطة مع أحداث الشغب، ومطالبة المجتمع الدولي بعدم الوقوف مكتوف الأيدي تجاه ما يجري من قمع وتعدٍ على حقوق الشعب البريطاني.
القذافي الذي يتجاهل عن عمد ما يقوم به من انتهاكات صارخة في حق شعبه، ويُعلن غيرته على بلاد تُعتبر أعرق دولة في تطبيق الديمقراطية الحقيقية على أرضها، والجميع سواسية فيها أمام القانون، اختار طوعاً أن يُغني في سرب بعيد عن سرب بلاده المقهور، الذي يموت منه المئات يومياً بدباباته وقنابله!
أخطأ أحد نوّاب بريطانيا حين صرّح بأن من قاموا بهذا الفعل مجموعة من المخبولين والمجانين، كوننا في أوطاننا العربية تعودنا على استخدام هذه اللغة حين يقوم أحد بتصرف خارج عن المألوف! وهذا يٌعتبر خطأ فادح من هذا النائب في التعاطي مع الحدث! فليس هناك أجمل من مواجهة الأمور بواقعية وشفافية، واحترام عقلية الشعب الذي لم يعد رضيعا يتقّبل ببلاهة كل ما تقدمه له حكومته!
حكومة بريطانيا بالتأكيد ستجتاز أزمتها كونها لا تتعامل مع شعبها بمنطق السيد والعبد! ولن تكتفي بالقضاء على أحداث الشغب من منطلق “يادار ما دخلك شر”!، بل سيجلس أعضاء الحكومة لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى اندلاع أحداث العنف، وإيجاد مخرج آمن لأزمات بلادهم المستقبلية. وهذا الفرق بين الدول المتحضرة وبين أغلبية بلداننا العربية، التي لم تزل تعيش بفكر القرون الوسطى، وتعودت على دفن رؤوسها في الرمال، مرددة صباحاً ومساء بعيون جريئة لا يهتزُّ لها رمش، إن كل شيء تحت السيطرة، وإن مجتمعاتنا بخير يُرفرف فوق أسطح بناياتها السلام، وإن كانت حدقات أفرادها يتطاير منها الشرر طوال الوقت، وجفونها مثقلة بالهموم لم تعد تذوق طعم النوم في الليل!