متى نعي الدرس؟!
متى نعي الدرس؟!
الأحد 18/9/2011
جميعنا بلا استثناء نحمل في جعبتنا الكثير من الذكريات عن مقاعد الدراسة، منها ما ظلُّ غارساً جذوره في أعماقنا، ومنها ما تبخّر مع دوران عجلة الأيام وانشغالنا بهمومنا الحياتيّة. لكن تظل الأفكار التي تجرعناها طوال فترة دراستنا تطفو على السطح بين حين لآخر، كلما تعرضنا لموقف حياتي لم نألفه أو عند تعاملنا مع الغرباء من غير بيئتنا!
أتذكّر وأنا صغيرة كانت هناك أسئلة تفرض نفسها في ساحة فكري لم أجد حينها إجابات لها تُشبع فضولي. كانت حصص الفقه والحديث تغصُّ بمئات الأحاديث والنصوص الفقهية التي تُلقي بالمرأة في الظلال، وتجعل الرجل هو المتحكم في مصيرها، ولولا أنني كنتُ قارئة نهمة حرصتُ الإطلاع على ما في بطون الكتب من المذاهب الأخرى التي محظور على مجتمعنا السعودي التعامل معها، لأصبح فكري اليوم متحجراً لا يقبل سوى ما يمليه علينا المذهب الحنبلي المتشدد المطبّق وحده داخل السعودية.
كنتُ ألاحظ وقتها كيف تمر سريعاً معلمات مواد الدين على الأحاديث المتعلقة بعلاقة المرأة بالرجل، وتمررن عليها مرور الكرام، وعندما كانت إحدانا ترفع إصبعها لسؤال المعلمة عن تفاصيل هذا الحديث أو ذاك كانت المعلمات يأمرننا بنبرة حازمة حفظ هذه الأحاديث كما وردت دون التعمّق في التفاصيل!
الحقيقة أنني غدوت أشعر بالملل من التطرّق للحديث عن أحوال المرأة السعودية التي قّتلت طرحاً في وسائل الإعلام المحلية والعالميّة، مع ذلك لم تزل مكانك سر! لم يحدث سوى تغيّر طفيف إيجابي فيما يتعلّق بأوضاعها الاجتماعيّة، ولا تيسير في مكان إلا بمباركة الرجل، بدءاً من التحكّم في مستقبلها التعليمي وانتهاء بمصادرة حقها في تحديد مصيرها المهني والشخصي، وبدأ شيء من الشك يتسرّب لنفسي بأن المرأة متورطة مع الرجل في مؤامرة إقصائها بسبب ردود أفعالها السلبيّة وتغيّبها عمداً حيال ما يقع عليها من ظلم وتجنٍّ!
كل هذه التداعيات حضرت في ذهني، وأنا أقرأ الخبر المنشور في إحدى الصحف السعودية، عن تذمّر إعلاميين وأولياء أمور ومثقفين لمقرر الحديث الخاص بطلاّب التعليم الثانوي الذي تضمّن أفكاراً سلبية عن الابتعاث والتحذير من خطر التغريب والعولمة!
لا أعرف إذا كان الذين يكتبون المناهج الدينية يعيشون في الأزمنة الماضية! فالعولمة أضحت أسلوب حياة، تعيش بيننا وتُشاركنا تفاصيل حياتنا اليومية منذ لحظة استيقاظنا صباحاً إلى أن نُغمض جفوننا ليلًا. يرفضون التصديق أنها حاضرة في أنواع أرغفة الخبز المختلفة الأنواع والأحجام التي نلتهمها بتلذذ. وفي أنواع الشوكولاتة الحلوة المذاق التي نجلبها من بلجيكا وفرنسا. وفي ماركات الملابس الشهيرة التي نستوردها ونتباهى باقتنائها. وفي أحدث أفلام الأكشن وأفلام الرعب والأفلام الخيالية التي نتابعها بحماس. وفي القنوات الفضائية التي نرى من خلالها كل ما يجري في أدنى وأقصى بلاد الأرض. وفي أروع ألحان الموسيقى التي نتمايل على نغماتها طرباً. وبعد كل أفضال العولمة، يجيء من يُحذّر أجيالنا الناشئة من أخطار العولمة كأننا نعيش في جزيرة نائيّة بمعزل عن العالم!
يظهر بأن مؤسساتنا العلمية لم تتعلّم من أخطائها الماضية وتُريد ترك الساحة لعدد من رجال الدين المتطرفين في أفكارهم ليبثوا سمومهم الفكرية في عقول النشء وندور من جديد في حلقة التطرّف الفكري الذي ما زلنا نكتوي بناره إلى اليوم!
إن التعليم المستنير المتطوّر القائم على تحكيم العقل، هو الذي يُضيء الطرقات المظلمة، ويُحصّن العقول من السقوط في بؤر التطرف! والأجيال الجديدة بحاجة لنبراس حقيقي كي تقف في مصاف الأمم المتحضرة دون أن تجفل قلوبها وترتجف أجفانها من نسائم التغيير.