هل الجسد طريق الخلاص؟!
هل الجسد طريق الخلاص؟!
الأحد 18/12/2011
قررت “سيندي لي”، الشابة ذات الثلاثين ربيعاً، وزعيمة “حزب المتعة” الفرنسي، لقاء أنصارها وهي عارية الصدر والساقين رغم حلول فصل الشتاء القارص الذي يُجمّد الأطراف. حملة “سيندي” تقوم على أن شعارات المتعة واللذة والسعادة هي الخير الأوحد في الحياة. وكانت “سيندي” قد رشّحت نفسها للانتخابات الرئاسيّة في عامي 2002 و2007 ، إلا أنها فشلت في الحصول على خمسمائة توقيع، وهو العدد المطلوب من المرشح الراغب في الحصول على بطاقة الترشيح.
هل استخدام المرأة لسلاح أنوثتها، أصبح هو الطريق الأسهل لتحقيق أحلامها في أسرع وقت؟! هل علاقة المرأة بعالم السياسة ظاهرة جديدة، أم أن جسد المرأة كان على الدوام سلاحاً فتّاكاً في يدها وكثيراً ما لجأت إليه لكي تقبض على زمام السلطة من خلف الأستار المسدلة؟!
ملكة مصر الشهيرة (كليوباترا) التي انتهت حياتها القصيرة بانتحارها بسم أفعى، يُقال بأنها عندما وجدت عرشها قد صار مهدداً مع دخول الأسطول الروماني لميناء الإسكندرية بقيادة يوليوس قيصر، أمرت خدّامها بلف جسدها العاري بسجادة، وطلبت منهم أن يضعوها أمام قدمي قيصر. ما أن رآها إمبراطور روما حتّى وقع صريع حبها، ونجحت في أن تحكم مصر وروما من خلال السيطرة على قلب رجلها القوي. عندما قُتل لم تنشغل بالحداد وذرف الدموع عليه، بل سعت بدهائها إلى إيقاع القائد الروماني العظيم مارك أنطونيو في حبائلها وتحمي عرشها.
أعتقد بأن التاريخ يُعيد نفسه، لكن بمشاهد أكثر جنوناً وخروجاً عن المألوف! من منّا لم يسمع عن الفتاة العشرينيّة (علياء ماجدة المهدي) التي نسبت نفسها لوالدتها وأقدمت على نشر صورها عارية تماماً إلا من جوارب سمراء وحذاء أحمر على مدونتها بالفيسبوك وتويتر؟! هذه الفتاة التي أطلقت على نفسها “مدونة ثائرة عارية”، طالبت بوجوب المساواة بين الجنسين، وأن ليس من العدل فرض الحجاب على النساء دون الرجال، وأن على الرجال أن يرتدوا الحجاب هم أيضاً. وكتبت كذلك في مدونتها مجموعة من الانتقادات في حق مجتمعها، وأنه يتسم من وجهة نظرها بالعنف والعنصرية والنفاق، وأن على كل من يقوم بتوجيه نقد لها أن يحترم حقها في التعبير عن رأيها!
يقال بأن عدد زوّار مدونة علياء المهدي قد وصل إلى ما يُقارب المليوني زائر في فترة وجيزة! فهل هذا يعني بأن مجتمعاتنا العربية مهووسة بكل ما يتعلّق بالجنس؟! هل مجتمع مصر المحافظ المعروف بتدينه، سيقبل أن تُصبح علياء نموذجاً ليبرالياً شجاعاً يُحتذى به بين النساء الشرقيات، واتباع دعوتها بالتحرر من سجن الجسد؟!
توقفّتُ أمام تعليق كتبه أحدهم عن علياء المهدي “أن المرأة إذا أرادت يوماً، فمعظم الرجال يستجيبون”. صحيح أن المرأة متى ما أرادت فلا بدّ أن يستجيب القدر، كما يُردد أبو القاسم الشّابي في الشطر الثاني من بيته الشهير، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل الأحلام التي ترغب المرأة في تحقيقها على أرض الواقع، والحد من الهيمنة الذكوريّة على حياتها، ومساواتها مع الرجل في مطالبها الإنسانية، تكمن في تعرية النساء لأجسادهن حتّى يضمنّ وصول أصواتهن عنان السماء؟!
يُقال بأن صديق علياء هلل فرحاً للموقف الذي قامت به صديقته! نسي هذا العاشق الولهان بأن الفرق بين الإنسان وغيره من مخلوقات الأرض في أن الإنسان على مدار التاريخ قلّم أظافره وترقّى بأفكاره وأدرك أن تحقيق مطالبه الآدمية لا يبدأ من استعراض السيقان والجوارب السوداء بدعوى التحرر! وإنما يبدأ بمواجهة الأفكار المتزمتة بالمنطق، وإعمال صوت العقل، والتصرّف بوعي. من هنا تبدأ مسيرة التحضّر الحقيقيّة.