يا صحف من يشتريكِ؟!
يا صحف من يشتريكِ؟!
الأحد 15/8/2010
باعت صحيفة “واشنطن بوست” مجلة “نيوزويك” التي خرجت من رحمها منذ أكثر من خمسة عقود، قاطعة بذلك صلة القرابة نهائيّاً. والسبب الجوهري الذي دفع الصحيفة الذائعة الصيت إلى التخلّي عن أمومتها، جاء نتيجة عجزها عن تحمّل الخسارة الماديّة المترتبة على استمراريّة وجودها في السوق مع تراجع عائدات إعلاناتها.
لم يعد الإقدام على بيع صحيفة أو مجلة، فكرة غريبة على عالم الصحافة الورقية! وهناك صحف مشهورة كانت قد أعلنت إفلاسها في السنوات الأخيرة، مُضطّرة إلى تسريح موظفيها وإلى إغلاق أبوابها بعد أن عجزت عن الصمود. فهل هذا يعني أن الصحافة الورقيّة بالفعل في خطر كما يتردد في ساحة الإعلام العالمي؟! يُقال بأن النهايات المفجعة في حق صحف ومجلات أهدرت صباها من أجل عيون قرّائها، حدثت بسبب تخلّي محبيها عنها ووقوعهم في حب من نوع جديد، متمثّل في الإنترنت وإغراءاته الكثيرة، والتي من ضمنها تقديم خدمات إخباريّة مجانية على صفحاته الإلكترونيّة.
عندما أكون جالسة في مقهى أو مطعم، ألاحظ وأنا أدور بعينيَّ في أرجائه، كافة الشباب من مختلف الأعمار، كل فرد منهم عيناه مصوبتان في شاشة جهاز البلاك بيري أو “الأي بود”، أو”الأي فون”، الذي يحمله بين يديه، لمتابعة “إيميلاته” الإلكترونيّة أو لقراءة آخر الأخبار. وإمّا أصابعه منشغلة بإرسال رسائل نصيّة لأصحابه. وترى في بعض الطاولات مشهدا مُضحكاً، متمثلا في آباء وأمهات أرادوا الترفيه عن أبنائهم بالخروج معهم، ليجدونهم ملهيين عنهم بهذا العالم السحري.
يقول بيت الشعر الشهير..
ستعرفني إذا عاشرتَ غيري
وتبكي على عشرتي زمنا طويلا
فهل صدق شاعرنا في نبوءته؟! لا أعتقد بأن هذا البيت ينطبق على الشباب، وكلّي ثقة بأنهم لن يذرفوا دمعة واحدة على الصحف المكتوبة! لكن بالتأكيد جيلنا والأجيال التي سبقتنا وحدها من ستظلُّ متشبثة بقديمها، وستولول حزنا عندما تراه محمولا على الأكتاف لدفنه في مثواه الأخير.
كروائيّة، لا أدري إن كان قرّائي سيعزفون يوما عن شراء كتبي، مكتفين بمطالعتها على صفحات الإنترنت. وعلى الرغم من أنني أرفض إلى اليوم التعامل مع عالم الإنترنت لنشر أعمالي الأدبية، إلا أن القرصنة وصلتني بالرغم عني وطالت نتاجي الأدبي، حيث تصلني رسائل كثيرة على “إيميلي” يُخبروني فيها أنهم قرؤوا رواياتي ببعض المواقع والمنتديات.
ما زلتُ “دقة قديمة” لا أستمتع بقراءة كتاب إلا إذا أمسكته بين يديّ، وشممتُ رائحة الورق تنبثق من صفحاته. لكنني أعترف بأنني جاريتُ موضة العصر فيما يخصُّ تصفّح الجرائد، وصرتُ نادرا ما أشتري صحيفة، مُعتمدة في قراءة المقالات، أو متابعة الأخبار، بقراءة صفحاتها على الشبكة العنكبوتيّة.
عالم الإنترنت ساحر، مثير، جعل الجميع يرتمي عند أقدامه ليكتشف أغواره دون أن يُفكّر في تبعاته. لكن النجاح الساحق الذي حققه الإنترنت، يكمن من وجهة نظري في أنه جعل كل فرد قادرا على أن يُنفّث عن غضبه، ويخرج ما في جعبته داخل غرف الدردشة السريّة! إضافة إلى أنه دفع الكل إلى معرفة ما يحدث خلف الأسوار العالية! بمعنى آخر لم تعد هناك أسرار مخبوءة، ولا حكايات متوارية، الكل متساوٍ في هتك المستور! رغم كل هذا من يُراهن مثلي على صمود الإعلام الورقي، أم أن الحب لم يعد مقتصرا على الحبيب الأوّل؟!