“إنتَ فين والانتخابات فين!”
“إنتَ فين والانتخابات فين!”
الأحد 23/5/2010
لأم كلثوم أغنية يُشاطرني ملايين الناس في عشقها: “إنتَ فين والحب فين!”. وقد وضعت اسم الأغنية كعنوان لمقالي بعد تغيير كلمة “الحب” كي تتناسب مع مضمونه. فكل عربيّ تابع سير الانتخابات البريطانية الأخيرة التي انتهت بفوز حزب “المحافظين” بعد تحالفه مع حزب “الديمقراطيين الأحرار”، وقيامهما بتشكيل حكومة ائتلافيّة تُعدُّ هي الأولى من نوعها في تاريخ بريطانيا منذ خمسين عاماً، لا بد أن يُطلق زفرة حارة من أعماقه، متحسراً على الصورة القاتمة التي تعيش فيها مجتمعاته العربية!
ففي الوقت الذي تتهم أغلبية المسلمين، دول الغرب بأنها تقف بالمرصاد للأقليات المسلمة داخل بلدانها، ونُشكك في نصاعة نواياها تجاهها، يتم تعيين أفراد من أصول مسلمة في حكوماتها. وقد وقع الاختيار مؤخراً على البارونة سعيدة وارسي التي لم تتجاوز الأربعين من عمرها، لتكون أول سيدة مسلمة من أصول باكستانيّة تعتلي منصب وزاري في الحكومة البريطانيّة الجديدة.
هذا لا يعني أن المجتمعات الغربيّة ملائكيّة، ترفل في ثياب الفضيلة طوال الوقت، وأنها حررت نفسها نهائيّاً من شهوتي السلطة والمال اللتين تدفعان المرء إلى سلك دروب مشبوهة! لكن الفرق بيننا وبينهم أن سياسيّيها الأحرار وعظماءها من مفكرين وعلماء قدّموا الكثير لمجتمعاتهم. والدساتير التي رسّخوها على مدار قرون، هي التي حمت شعوبهم من الانزلاق في هوّة التناحر والتباغض ودفعتهم نحو بوّابة التحضر، وحمت أوطانها من أيّة زلازل سياسيّة قد تُدمّر كيانها مستقبلا.
الفرق بيننا وبينهم أننا لا نتعلّم من التاريخ. عظماؤنا النزهاء ننكل بهم في حياتهم، ونُحاسبهم على كلماتهم التي يتفوهون بها، وبعد مماتهم نُكرّمهم، ونبكي عليهم، ونُعدّد مآثرهم، ثم نقفل عائدين إلى بيوتنا، دون أن نُعلّم الأجيال القادمة كيف تُحافظ على التركة الفكرية التي تركوها خلفهم!
في الغرب يقوم سياسيوهم بطرق أبواب أخرى بعد أن يخرجوا من منصب وزاري. وها هو رئيس الوزراء البريطاني السابق “جوردون براون” يُعلن بعد تقديمه استقالته للملكة، اعتزاله العمل السياسي ورغبته في التفرّغ لأسرته وللأعمال الخيرية، متمنياً النجاح لخلفه بما فيه مصلحة بلاده.
في بلداننا يتطلّع أغلبية سياسيينا إلى المكوث تحت الأضواء هم وأبناؤهم وأحفادهم إلى ما شاء الله حتّى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وطوال فترة حكمهم يكيلون السباب لأسلافهم، ويُشككون في مناقبهم، وينسبون إنجازاتهم لأنفسهم. ثمَّ يُعيد التاريخ نفسه عندما تدور الدوائر!
كيف يمكن لمجتمعاتنا أن تتقدّم ونحن نُعاير الآخرين بأصولهم دون اعتبار لما قدموه من إنجازات مُشرّفة لأوطانهم؟ وكيف يمكن أن نتجاوز عُقدنا التاريخيّة والأغلبية ما زالت تتفاخر بأنسابها، وعدد كبير من مشايخها يُفرقون بين الأزواج بحجة عدم تكافؤ النسب بينهم؟! كيف يُمكن لبلداننا أن تتحضّر ونحن نطعن في انتماءات الآخرين لأوطانهم بسبب مذاهبهم وطوائفهم وأعراقهم؟! كيف يمكن أن نتحرر من الفوبيا التي زرعها في وجدان مجتمعاتنا رجال دين متزمتون يريدون تحريك عجلة الزمن إلى الوراء؟!
قال يوماً أحد المفكرين بأن البلبل على ضعفه وصغر حجمه، يظل بطل الحريّة بلا منازع، كونه ما أن يُودع غصباً في قفص إلا أعلن تمرده بالموت غمّا أو الانتحار حزناً. ولو كانت مجتمعاتنا تتمسك بحقها في التغيير لما فيه الخير لأجيالها القادمة لما كنّا إلى اليوم مكانك سر!
يوم تنزع مجتمعاتنا الرباط الأسود الذي وضعته على عينيها عقودا طويلة، وترفض التسليم بواقعها المزري، وتندد بالسلبيات الحاصلة في أوطانها، تستطيع بيسر رؤية شعاع النور، فالشمس ترفض أن تبقى إلى الأبد في الجهة الأخرى من العالم.