الوقوع في عشق الحرية
الوقوع في عشق الحرية
الأحد 14/2/2010
في الوقت الذي تُرغي فيه الصين وتزبد وتُهدد بسبب قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما استقبال زعيم التبت الدالاي لاما الذي يناضل من أجل استقلال بلاده عن الصين، تتهيأ جنوب أفريقيا لإحياء الذكرى السنوية العشرين لإطلاق سراح زعيمها المناضل نيلسون مانديلا الذي أمضى ما يزيد عن الخمسة والعشرين عاماً داخل غياهب السجون، نتيجة تمسكه بالكفاح المسلّح لإنهاء التمييز العنصري في بلاده.
هذا الاحتفال من وجهة نظري وإن ارتبط بذكرى إطلاق سراح هذا المناضل الشجاع، إلا أنه يحمل في طياته دلالات أخرى، بأن النضال يُصبح من الأهداف الجميلة في حياة الإنسان إذا ما آمن بقوة أن عليه واجباً تجاه شعبه وحقه العيش بكرامة على أرضه.
نيلسون مانديلا الذي يبلغ الواحد والتسعين عاما، يُعدُّ رمزاً للزعيم الحقيقي، ولا يختلف اثنان على مكانته والإجماع على حبه. حتّى الذين كانوا يُعارضونه بالأمس لم يُشككوا لحظة في نزاهة مواقفه ونبل أخلاقه، كونه كان صافي النية لم يُخطط للحصول على منصب رفيع أو يُساوم في الخفاء لينتزع مكاسب شخصية! وهذا للأسف ما نفتقده في عالم اختلطت فيه السياسة بالفساد والمصلحة الذاتيّة!
نيلسون مانديلا نموذج مُشرّف للمناضل الذي ضحّى بحريته الشخصية، من أجل أن يرى الحرية العامة تُرفرف محلقة في أفضية بلاده. فالحرية في نظره لم تكن مجرد كلمات مقتضبة تلقى من فوق منابر الخطابة! ولم تكن عنده محصورة في أبيات قصيدة يرددها الناس على المقاهي لطرد الملل من أنفسهم! كانت الحرية في نظره تحمل في طياتها مضامين كثيرة. كان يؤمن بأن الحرية تعني أن يقول المرء رأيه في قضايا مجتمعه بوضوح وصراحة دون أن يسمع تقريعاً أو ألفاظا نابية تُطال شخصه! الحرية في رأيه أن يُمارس كل فرد حقه في اختيار معتقده الديني وفي ممارسة شعائره. الحرية في نظره أن لا يقوم شرطي بسحبه بقسوة إلى مخفر الشرطة لأنه كتب كلمة خارجة عن المألوف في مسؤول أو انتقد حكومة بلاده على الملأ!
أجيال اليوم تفتقد إلى الزعيم القدوة الذي يضع نصب عينيه متطلبات شعبه. لذا من حق جنوب أفريقيا أن تفخر بمواطنها نيلسون مانديلا الذي جاهد طويلًا من أجل إلغاء التمييز العنصري ضد السود في بلاده، كما تفخر الهند بمناضلها الذي قاوم الاستعمار ووقف ضد الإنجليز، وأعني به غاندي الذي يُمثّل المناضل الحقيقي في تاريخ الهنود.
هذا لا يعني أن تاريخنا خال من الزعماء والمناضلين، فهناك الكثير من الكتّاب والشعراء والمفكرين والساسة الشرفاء الذين أفنوا عمرهم من أجل رفعة أوطانهم، وضحّى البعض بحياته بسبب شغفه بمبادئ الحرية. وهناك من قاوم بالأمس قوى الاستعمار، وحارب لكي يرى الحرية تتنفس بعمق في مناخ صحي خال من الجراثيم المعدية، ولكي تسير مختالة على شواطئ أوطانها.
كل الأنظمة القمعية في العالم تخاف من أشباح الحرية كي لا تسكن أرضها، و حتّى لا تزورها ليلاً وتقضُّ مضاجعها، لذا تحاول جاهدة أن تتجاهل مناضليها الشرفاء لتنام قريرة العين! لكن طالما كانت هناك صور جميلة مضاءة متناثرة في العالم، وإن كانت نادرة، سيظل هناك أمل كبير في أن تقتدي بها الأجيال الصاعدة التي لا تكلُّ ولا تمل من التنقيب عن قدوة حقيقية تسير خلفها لتُنير لها طرقاتها المظلمة وما أكثرها في أوطاننا العربية.