رواية “سَلاّم”
رواية “سَلاّم”
الأحد 31/8/2008
إذا كنتَ من هواة قراءة التاريخ خاصة المرتبط بتاريخ الأندلس، فلا بد لك أن تقرأ رواية “سَلاّم” للروائي السعودي هاني نقشبندي. تجذبك هذه الرواية لقراءتها منذ الوهلة الأولى التي تمسكها بين يديك. وينصهر فكرك مع أحداثها الشيقة، ولا تحيد عيناك عنها إلى أن تفرغ من قراءة السطر الأخير. تشعر وأنت تُلاحق سطورها بأن عبق التاريخ ينفذ لخياشيمك، كأنك تسير بالفعل في ردهات قصر الحمراء، وتتسكّع في أزقة غرناطة.
مضمون الرواية يتحدّث عن أمير سعودي، يُقرر بناء قصر في الرياض على غرار قصر الحمراء في غرناطة، لكنه يتردد في تنفيذه بعد أن يُقابل شيخاً يُدعى “ابن برجان” يُحذره من بناء القصر لأن هناك لعنة تحل على كل من يُفكر في بناء قصر مُشابه له، وينصحه إن يبحث عن رجل يُدعى “سَلاّم”، فهو الوحيد القادر على بنائه لأن له دراية كاملة بتصاميم قصر الحمراء فهو من قام بتشييده، حيثُ أن هذا الرجل مُخلّد لا يموت.
هناك جمل حواريّة جميلة استوقفتني، مثل الحوار الذي دار بين الأمير والشيخ ابن برجان. “هل تعرف الفرق بين الكذب والحقيقة؟!”. “نحن لا نرى الحقيقة بل نحسُّ بها أيها الأمير”.
وفي موضع آخر، يسأل الأمير ابن برجان عن “سَلاّم”. “وماذا عن عينيه، لمَ لا يكشف عنهما؟!”. “كي لا تكشفا لذّة الموت التي لم تأتِ”. “وهل ترى في الموت لذة؟!”. “إنه أجمل فعل نختم به حياتنا”.
تكمن قوة الرواية من وجهة نظري في صفحاتها الأخيرة من خلال الحوار الذي دار بين “سَلاّم” والأمير حين يعثر عليه بعد طول مشقة. يسأله “سَلاّم”… “لماذا تُريد بناء الحمراء، لماذا ليس أي قصر آخر؟”. “لأن لا مثيل لجماله في العالم كله”. “هراء، هناك قصور أجمل منه، فلماذا الحمراء؟”. “لنقل إنّي مولع بما سكن الحمراء من تاريخ”. “هذا التاريخ، هذا السحر الذي تتحدّث عنه أيها الشاب هو تحديداً لعنة القصر”. “إذا كنتَ تريد أن تعرف السرَّ وراء رغبتي في الحمراء دون غيره، قلتُ لأنه رمز مجدنا، جزء من ذاكرتنا، هو أندلسنا الذي ضاع”. “من أجل هذا السبب تحديدا لن أساعدك في بناء الحمراء”.
بالتأكيد كان نقشبندي جريئاً في الدخول إلى مناطق وعرة، وإن كان قد سبقه عدد من المؤرخين بالتشكيك في نصاعة ذلك العهد وفي صحة بعض أحداثه! هذا التاريخ الذي يرفض المسلمون العبث في تفاصيله من منطلق أن له قداسته!
في الحوار الذي دار بين “سَلاّم” والأمير، يقول الأخير لسَلاّم مستنكراً” أتقول احتلالنا للأندلس؟! وهل كنّا غير فاتحين؟!”. “فاتحون! لو كنّا كما تقول لنشرنا إسلاماً يبقى حتّى اليوم في الأندلس، لا أن نُطرد منها مثل كلاب ضالّة… تسعمائة عام قضيناها هناك ولم نفعل شيئاً.. الحمراء كان رمز احتلال لا فتحا… ورمز صراع لا سلاما.. الحمراء هو تاريخ مخزٍ ليس أكثر من رمز لا أخلاق فيه، لملايين قتلوا باسم الإسلام… تاريخنا الأندلسي ليس أكثر من ملحمة عار”.
قد يستشيط البعض منّا غضباً من إدانة الراوي للحقبة الأندلسية، لكن هذا لا يُبخس حق كل فرد في إبداء رأيه بمطلق الحرية، ومقارعته بالحجة والبرهان. صحيح أننا خرجنا مهزومين، ولكن هذا لا ينفي الإنجازات التي حققها العلماء والمفكرون المسلمون إبان الحقبة الأندلسية، حيثُ كانت علومهم وآدابهم المصدر الذي قامت عليه النهضة الأوروبية، هذا باعتراف عدد من المستشرقين النزهاء الذين اعترفوا في كتاباتهم بفضل حضارة الأندلس على أوروبا بأسرها.
من هو سَلاّم؟! ما القصد الذي كان يهدف إليه نقشبندي من خلق هذه الشخصية؟! هل كان يُجسّد في “سَلاّم”، الوعي الغائب بعقل الفرد العربي تجاه تاريخه، محذرا إياه من مغبة الانزلاق في هوة ماضيه؟! هل كان سَلاّم هو الرمز الذي يربط المسلم بماضيه وحاضره دون البكاء على الأطلال؟! هل سَلاّم هو جسر التصالح بين الغرب والشرق لبدء صفحة جديدة ليعيش العالم في وئام؟!
رواية “سَلاّم” بها مغاز كثيرة، وعلى الرغم من أن المرأة غابت كليّاً في الرواية، إلا أنها في اعتقادي ستخلق جدلاً حولها، فهي رواية استفزازية من الطراز الأول وتستحق بالفعل أن تُقرأ.