تحية لشباب الكويت
تحية لشباب الكويت
الأحد 25/5/2008
لا يهم إن فشلت المرأة الكويتية هذه المرة أيضاً كمرشحة، يكفيها أنها بعد عراك طويل داخل مجتمعها، استطاعت أن تنتزع حقها الإنساني في الانتخاب والترشيح. ومحاولة المرأة الكويتية لدخول مجلس الأمة، كانت في حد ذاتها نجاحاً لها، فقد تحدّت الرجل، واقتحمت عرينه المُحصّن بمفاهيم اجتماعية بالية، وتعاليم دينية مغلوطة، واستطاعت أن تزأر في وجهه مُتسلّحة بقدراتها الفكرية والعلمية.
من وجهة نظري، المحاولة أصقلت تجربة المرأة البرلمانية، حتّى وإن خرجت خاوية اليدين! ويجب أن تشعر بالفخر لكونها جعلت عينيْ الرجل تألفان وجودها، في ساحة ظلّت أمداً ليس بالقصير حكراً عليه! والإنسان في طفولته لا يتعلّم المشي من المحاولات الأولى، بل يقف ويترنّح ويسقط المرة تلو المرة، ويُعيد الكرة مرات، حتّى يُتقن في نهاية الأمر خطواته جيداً، فكيف يكون الحال إذا ما تعلّق الأمر بعالم السياسة الوعر المسالك!
عدم وجود امرأة في مجلس الأمة، لا يمنع من التصفيق بحرارة للتجربة البرلمانية في الكويت. بلا شك هي تجربة مضيئة، وتُعبّر عن وجود مناخ ديمقراطي حقيقي. فليس سهلاً في دولة عربية، بل وخليجية تحديداً، أن يقف نائب في البرلمان ويزعق بأعلى صوته، واصفاً حكومة بلاده بالتقصير، أو متهماً بعض وزرائها بالفساد، دون أن يُفكّر آلاف المرات في عواقب انزلاق لسانه، من أن يتعرّض للإقالة، أو يُجبر على الاستقالة، أو يُهمّش داخل وطنه،
مهما كانت إنجازاته عظيمة، وخدماته جليلة، حيثُ بالإمكان إسقاطها جميعاً بجرة قلم!
لكنني في هذا المقال تحديداً، أود أن أحيي الشباب الكويتي، ودوره الفعّال في الاندماج مع تجربة بلاده البرلمانية. فقد لفت انتباهي الخبر الذي بثته القنوات الإخبارية وسط السباق حامي الوطيس للانتخابات الكويتية، في قيام مجموعة من الشباب الكويتي، بإطلاق حملة توعية وطنية لمحاربة ظاهرة شراء أصوات الناخبين، وتشكيل فريق عمل لكل دائرة من الدوائر الانتخابية الخمس تحت شعار “نزاهة”.
هذه الحملة نظر إليها الشباب الكويتي كواجب وطني شريف، هدفوا من ورائها إلى حماية تجربة بلدهم البرلمانية من التشويه، معتمدين في حملتهم على ثلاثة محاور تثقيفية؛ أولها: البعد الديني، الذي يُحرّم شراء الأصوات. والثاني: بعدها القانوني، الذي يَعتبر هذا السلوك مخالفاً للقانون والدستور. والثالث: البعد الوطني، من خلال تحريك الحس الوطني، والتحذير من مغبة الانسياق خلف هذا التيار، الذي يُعتبر خيانة للوطن والمجتمع. وقد خصص الشباب لمساندة حملتهم، خطاً ساخناً للإبلاغ عن كل من يثبت تورطه في عملية بيع الأصوات، حيث وصل سعر الصوت الواحد حينها لأكثر من أربعة آلاف دينار كويتي.
جميل أن يقف الشباب في مواجهة الظواهر السلبية المتواجدة داخل مجتمعاتهم، بالرغم من كم المغريات العصرية التي تُحيط بالشباب العربي، وعلى الأخص الشباب الخليجي. مغريات متمثلة في القنوات الفضائية الغنائية التي تعتمد في استمراريتها على جمهور الشباب، إضافة إلى المواقع المختلفة التوجهات، والمنتديات المفتوحة على مصراعيها لتقبّل كافة الآراء، التي تكتظ بها شبكة الإنترنت وتستحوذ على اهتمام الشباب!
حملة الشباب الكويتي الأخيرة، قالت للدنيا إن الشباب العربي بخير، حيث لم يقفوا مكتوفي الأيدي، وتصدوا بجراءة لكل من يُريد تقويض تجربتهم البرلمانية. وقد
أدحضوا بتصرفهم الواعي، الأقوال التي يُرددها الكثير من الساسة، بوجوب إقصاء الشباب عن الساحة السياسية، بحجة أنهم غير مدركين لما يجري من حولهم، وتنقصهم الخبرة الحياتية للتعبير عمّا يدور في أروقة مجتمعاتهم.
تجربة الشباب الكويتي، أتمنى أن تنتقل عدواها للدول العربية الأخرى وعلى الأخص الخليجية، ففيها رسالة ضمنية للشباب، أن يتصدّوا بعلمهم للسلبيات الواقعة في مجتمعاتهم، وأن يُطالبوا بوضع ضمانات ملموسة لمستقبلهم، بعد أن غدت البطالة تُشكّل عقبة كبرى أمامهم! وأن يُحاربوا بوعيهم، الفساد الذي التهم خيرات بلادهم، وجعلهم يجزوّن على أضراسهم غيظاً، من تنعّم أصحاب الذمم الضعيفة بثروات أوطانهم، وتركهم يتسكعون في الطرقات، محرومين من حقهم الطبيعي في حياة كريمة!
أنا أعوِّل على الشباب في قيادة حركة التغيير في بلدانهم بعزيمتهم الفتية، خاصة أن مجتمعاتنا العربية شبابيّة مما يُميزها عن غيرها من دول العالم. فليُسدد الشباب فوهات بنادقهم صوب الآفات التي تنخر بلا رحمة بنية مجتمعاتهم. فالرصاص الذي لا يُصيب بالتأكيد يُحدث ضجيجاً!