جميعنا شركاء في الجريمة!!
جميعنا شركاء في الجريمة!!
الأحد 1/6/2008
رواية “العطر.. قصة قاتل” للأديب الألماني “باتريك زوسكند”، من الروايات العالمية الجميلة التي سيُخلدها التاريخ. وتدور قصة الرواية حول شخص يتمتّع بحاسة شم قوية، يقوم بارتكاب عدة جرائم قتل، في حق فتيات بالكاد وصلن إلى سن البلوغ. وكان يهدف من وراء قتلهن إلى انتزاع رائحة كل واحدة منهن ومزجها لتخرج في شكل عطر مميّز.
تذكرتُ هذه الرواية وأنا أقرأ التحذير الذي أطلقه عدد من خبراء البيئة، بأن الروائح العطرة المنبثقة من الزهور في خطر! وأن العبق النفّاذ الذي نشمّه حين نمر بحديقة مزهرة فينعش أفئدتنا، آخذ في التناقص! وقد أرجع الخبراء ذلك، إلى تلوّث البيئة الذي ألحق أضرارا جسيمة بكوكب الأرض!
هذا يعني أن العسل سيقل إنتاجه في العالم بأسره، كون النحلة- كما هو متعارف- تنجذب تلقائياً للرائحة المنبثقة من الزهرة، وهي التي تدفعها إلى الالتصاق بأوراقها، وامتصاص رحيقها ليتحوّل لاحقاً إلى عسل. ليس هذا فحسب، فكثير من الشعراء والفنانين هاموا حبّاً بالطبيعة الخلابة، ونظموا أبيات عشق في الورود والزهور، من أشهرها قصيدة الشاعر “بيرم التونسي” التي غنّتها المطربة “أم كلثوم”. يقول في مقطع منها “الورد جميل وله أوراق.. عليها دليل من الأشواق.. إذا أهداه حبيب لحبيبه.. يكون معناه وصاله قريب.. شوف الزهور
واتعلّم..”.
هل باقات الورود التي تُعد من الهدايا الرمزية الجميلة، والتي ظلّت أمداً طويلاً تعبير محبة، ورسول سلام بين المحبين، ستختفي مستقبلا؟! تخيلوا عندما يُقدّم حبيب لحبيبته، أو زوج لزوجته، باقة من الزهور أو الورود زاهية الألوان لكن بلا رائحة! بالتأكيد ستُبدي امتعاضها، وتُعلن استياءها، بدل أن تُطبق جفنيها، وتستنشق عبيرها منتشية.
الأمر لم يتوقّف عند التحذير من اندثار روائح الزهور والورود! فهناك ظواهر سلبية أخرى خطيرة! مثل ظاهرة الاحتباس الحراري، وانهيار الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، وقلة الأمطار الموسمية، التي أدّت إلى جفاف التربة، وانحسار البقع الزراعية، مما سيرفع نسب المجاعة في العالم مع تزايد الأفواه المفتوحة، وارتفاع قوة الهزات الأرضية في العالم، حيث خلّف زلزال “سيشوان” الذي ضرب الصين مؤخراً، أكثر من ستين ألف قتيل غير المفقودين، وانتشار الأوبئة والأمراض المستعصية، نتيجة المخلفات النووية، واتساع رقعة ثقب الأوزون بسبب التلوث البيئي بكافة أشكاله.
أعجبني تصرّف الممثل الأميركي “هاريسون فورد”، حين قام بنزع جزء من جلد صدره بالشمع، وأرفقه مع إعلان خاص بمنظمة “كونسيرفيشين إنترناشيونال” التي تسعى إلى توعية الناس بالأثر السلبي الذي يتركه قطع أشجار الغابات، على ظاهرة ارتفاع حرارة الأرض!
من دفع ضريبة عبث الإنسان مع الطبيعة؟! الإنسان نفسه أم الأرض التي تساهلت معه منذ أن وطأت قدماه سطحها؟! صحيح أن الإنسان لم يزل يقف عاجزاً أمام أهوال الطبيعة عندما تُعلن تمردها، لكن هذا لا ينفي أن كل فرد على وجه الأرض متورّط في هذه الجريمة النكراء! إن لم يكن بأفعاله المستهترة، فبمواقفه الصامتة في عدم إعلان احتجاجه لما آلت
إليه أحوال الأرض، ودون أن يهبَّ لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه!
أتذكّر في زيارتي الأخيرة للندن، لفت انتباهي قيام متجر كبير مثل “سيلفردجيز”، باستخدام أكياس من الورق المقوى عوضاً عن الأكياس البلاستيكية عند التبضّع منه، كشكل من أشكال المحافظة على نظافة البيئة من التلوّث. كما تقوم مجموعة متطوعين من كافة الأعمار، بتوجيه الناس على كيفية التخلّص من نفاياتهم المنزلية، وحثهم على استخدام الدراجات الهوائية للتقليل من استخدام عادم السيارات، إضافة إلى توزيع منشورات تُوضّح أساليب مضمونة للتقليل من مخاطر التلوث البيئي.
هذا في الوقت الذي تتعامل مجتمعاتنا العربية، مع ظاهرة التلوث التي اجتاحت العالم بأسره، بلا أدنى مبالاة كأنها تعيش في كوكب آخر! دون أن تسعى على الأقل إلى تعليم أطفالها أبسط الطرق للمحافظة على كوكبها لتحد من المخاطر التي قد تتفاقم مستقبلاً.
لقد ذكرتُ في مقال سابق، طرقا عديدة للمحافظة على البيئة، ووجوب إدخال هذه الطرق في صميم مناهجنا التعليمية، وأن يُروّج لها في قنوات الإعلام المختلفة. فالكرة الأرضية لن تُفرّق بين الشرق والغرب عندما تسقط مضرجة في دمائها، وسيتقبّل الكل بلا استثناء العزاء فيها يوم يتم نشر خبر موتها في صفحة الوفيات!!