الحب… ومواقف النبل!!
الحب… ومواقف النبل!!
الأحد 15/6/2008
ما هو الحب؟! هل يختلف مفهومه من فرد لآخر، ومن امرأة لرجل؟! هل الحب ما زال مرتبطاً بالمعاني السامية التي ألفناها، كالتفاني من أجل الطرف الآخر، وبذل الغالي والنفيس لإرضائه؟! ألا يعني الحب الحقيقي، أن يغضَّ كل واحد طرفه عن مساوئ من يحب، وأن يمسح بكفه كل أغلاطه؟! لماذا غدا نموذج حب قيس وليلى نادراً في عصرنا؟! ألا يؤكد هذا أن الحب أضحى هو الآخر معقودا بظاهرة “التيك أواي”، مما جعل القلوب سريعة التقلّب، دائمة النسيان؟!
من منّا لا يُلاحق مبهوراً أحداث فيلم “غادة الكاميليا”، أو “آنا كارنينا”، أو “ذهب مع الريح”، أو شبيهاتها من زمرة الأفلام الكلاسيكية العالمية التي أتحفتنا بها هوليوود، متحسّراً على ذاك الزمن الجميل الذي يُبيّن سمو العلاقة بين الرجل والمرأة!
في زمننا الحالي، تصل لمسامعنا تفاصيل لقصص كثيرة بدأت بحب مشتعل، وانتهت بالانطفاء مع أول عاصفة رملية صادفتها، فقلعتها من جذورها وقذفتها في أقرب مجرى نهر، دون أن تلفَ أدنى مقاومة من أصحابها! وهو ما يدعو للتساؤل عن السبب الذي جعل حب اليوم هشّاً، ضعيفاً، لا يملك الصلابة على الصمود أمام الظروف وتقلبات الأيام!
في الأزمنة الماضية، كان المحبون يُعبرون عن حبهم بأبيات من شعر الغزل، ثم تطوّرت إلى الرسائل التي
يُسطّر فيها المحبون لوعة قلوبهم، ثم تمادوا إلى تبادل النظرات المفعمة بالشوق خلف “رواشين” النوافذ، وبعدها صاروا يلتقون خلسة بعيداً عن رقابة الأهل، والآن غدا الإيميل والإنترنت والهواتف النقالة، هي لغة التعبير عن المشاعر، وإن كانت تفصل الحبيب عن حبيبه آلاف الأميال!
لكن رغم كل المغريات الحياتية المفتوحة على مصراعيها، يرى الكثيرون أن الحب الحقيقي الخالي من المصالح في تراجع، وأن الحب النقي الذي ارتبط قرونا طويلة بالتفاني من أجل عيون المحبوب تقلصت رقعتها كثيراً!
مؤخراً أثارت سيدة صينية لغطاً في الشارع الصيني، حين تقدّمت بطلب للمحكمة للحصول على الطلاق من زوجها، وكانت حجتها أنه لم يُحاول إنقاذها حين تعرّض بيتهما للانهيار نتيجة الزلزال المدمّر الذي اجتاح منطقة “سيشوان”، حيثُ تركها تواجه مصيرها بمفردها بعد أن ولّى هاربا بمفرده، وأعدّت تصرفه خيانة عظمى في حقها!
هناك من تعاطف مع الزوج، مبرراً تصرفه أنه نابع من غريزة حب البقاء، ولا يعني مطلقاً انتفاء حبه لزوجته! وهناك من أيّد القرار الذي اتخذته الزوجة، وأن ما فعله الزوج يُشكك في مصداقية مشاعره تجاهها!
من وجهة نظري، لا تنحصر القضية في حب هذا الرجل لزوجته من عدمه، ولكن الذي لا يختلف عليه اثنان، أنه اخترق الميثاق الذي يتعاهد عليه الزوجان لحظة عقد قرانهما، في أن يتشاركا على السراء والضراء، مما يعني أن هذا الرجل انعدمت فيه صفتا النبل والشهامة التي تعشقهما كل امرأة على ظهر الأرض في رجل عمرها.
وبعيداً عن قصة هذه المرأة، نجد قصصا أخرى تزخر بها مجتمعات الدنيا، تُثبت أن منطق الحب تهاوت أعمدته الأربعة التي تحمي سقفه، وأن إيقاع الحياة السريع جرف معه العواطف الإنسانية الرائعة التي كان يتمرّغ فيها أجدادنا.
العلاقة بين الرجل والمرأة غدت مثل كرة نارية آخذة في التدحرج نحو هاوية مظلمة، وهذا خارج عن إرادتهما، فكل ما حولهما صاخب، وكل ما يُحيط بهما يُوحي بالبلادة، ويعجُّ بالإغراءات المادية، ومن يصر على إغماض عينيه سيجد نفسه يعيش وحيداً في دنياه التي نسجها بعيداً عن أنفاس شريكه! حيثُ نادراً ما نجد الزوجين يجلسان مساء، يُرهفان السمع لآمال بعضهما، ويبوح كل منهما للآخر بهموم يومه، مكتفيين بإعطاء ظهريهما لبعضهما لحظة الخلود للنوم!
ما الحل؟! لا تُوجد حلول “سوبر”! ولا يستطيع أي إنسان مهما بلغت عضلاته “الشمشونيّة” أن يهرب من وسط هذه الدوامة المعيشية، كون البشر جميعاً يتقاسمون خريطة هذا الكوكب بصخبه وضجيجه. لكن من حين لآخر علينا أن نُدلّك مشاعرنا المنهكة، بأن نُشارك أحباءنا في سماع أغنية “طربيّة” جميلة، أو متابعة فيلم رومانسي حالم، أو قراءة رواية عاطفية.
إنسانيتنا تحتاج منا أن نُهدهدها بأيدينا، فعندما نشب عن الطوق شيء طبيعي أن تكفَّ أمهاتنا عن هز سرائرنا!