التأرجح بين الذكورة والأنوثة!!
التأرجح بين الذكورة والأنوثة!!
الأحد 13/7/2008
قدّم العلم خدمات كثيرة للبشرية، وساهم في حل مشاكل صحية لملايين الناس، بل وأدّى إلى تطوير الحياة الاجتماعية لكافة شعوب الأرض. كما قام العلم بكشف خبايا كان الإنسان يقف عاجزاً عن وضع تفسيرات منطقية لها، من ضمنها ظاهرة الأفراد الذين يولدون ذكوراً ويحملون جينات أنثوية أو بالعكس.
مع الانفتاح الإعلامي بقنواته المتباينة، تجرأت برامج حوارية عديدة على إجراء مقابلات مع عدد من هؤلاء الأشخاص، حيث تحدثوا بإسهاب عن تجربتهم، والمراحل القاسية التي مروا بها بعد قيامهم بتغيير جنسهم، نتيجة عدم تقبّل مجتمعاتهم لصورتهم الجديدة، رغم أن الأطباء المختصين الذين وافقوا على إجرائها، صرّحوا بأنهم تشجعوا على القيام بها كون أصحابها يملكون جينات تؤكد انتماءهم للجنس الذي لم يولدوا عليه.
لم تقتصر معاناة هذه الشريحة على الجانب الاجتماعي فقط، بل واجهتها عقبات من الناحية الدينية والقانونية أيضاً. على سبيل المثال، هناك سالي التي أرغمتها جامعة الأزهر على ترك كلية الطب قبل عشرين عاماً بعد أن تحولت من سيد إلى سالي، بحجة أنه لا يوجد طالبة مقيدة بهذا الاسم في كلية الطب، مما أدّى إلى تعرضها لضغوطات نفسية شديدة دفعتها إلى العمل كراقصة في أحد الملاهي الليلية، حتّى تتمكن من تحمّل نفقات المحامين الذين تولوا قضيتها. سالي رغم انقضاء هذه المدة الطويلة، لم تزل قضيتها مرفوعة أمام المحاكم ضد جامعة الأزهر لاسترداد حقها في تكملة
دراستها.
مشكلة سالي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فها هو الشاب حسين ربيعي الذي أمضى أربعة وثلاثين عاماً من عمره كذكر، لم يزل يحمل بطاقة هوية باسم زينب ربيعي، وما زالت كافة وثائقه الرسمية تؤكد على أنه أنثى، مما أثّر على حياته المهنية، وفي وضع جملة عراقيل لممارسة حياته الطبيعية بوضعها الحالي، رغم أن عملية التحويل تمّت بأمر من المحكمة.
أغلبية المراجع الدينية المسلمة ترفض التعامل مع هذه الشريحة جملة وتفصيلاً، أو حتّى الاعتراف بوجود خواص جينية مخالفة للجنس الذي ولد أفرادها عليه، بل وتقف لهم بالمرصاد كأنهم مذنبون يجب توقيع أقصى عقوبة عليهم، مما يدفع أصحابها إلى العيش في عزلة اجتماعية، تؤدي مع مرور الوقت إلى خلق اضطرابات سلوكيّة في أعماقهم، قد تنعكس على مجتمعهم الذي يحيون في وسطه، وبالتورّط في دنيا الشواذ!
منذ فترة عُرض مسلسل “صرخة أنثى” على عدد من القنوات الفضائية العربية، وهو مسلسل يطرح بجرأة قصة فتى خضع لعملية جراحية لتحويله إلى فتاة. أثار هذا المسلسل حينها لغطاً واستهجاناً في الشارع العربي، مثل الكثير من المواضيع التي تحتاج إلى شفافية ومصارحة علنية في التعامل معها، لكننا نتعمّد اجتنابها ونقوم بحشرها في خزائننا حتّى لا يُلاحظها الغرباء، بدلاً من إخضاعها لمنطق العقل أو إخضاعها للعلاج بطرق علمية!
لا أريد أن يُفهم من كلامي أنني أنادي بتسهيل عمليات تغيير الجنس، وفتح الباب لكل من يرغب في تغيير جنسه من باب الفضول أو تجربة وضع جديد، كما يحدث في أوروبا وأميركا وفي بعض الدول الآسيوية مثل تايلاند، ففي بانكوك تحديداً، التي لا تجد حرجاً في إفراد مساحات بارزة بصحفها المحلية للإعلان عن عمليات تغيير الجنس. ولكنني أود من المراجع الدينية الإسلامية أن تنظر إلى هذه الشريحة كحالة مرضية تُريد تصحيح وضعها، إذا ثبت لها خطورة استمرارها على ما هي
عليه، وليس على اعتبار أنها تسعى إلى تشويه القيم الأخلاقية.
الإعلام من خلال عرضه لهذه الحالات على شاشات التلفاز، واتجاه السينما مؤخراً إلى طرقها بحبكة درامية، هي البداية لمواجهة هذه المشكلة. فالتغاضي عن كل ظاهرة سلبية تنخر في بنية مجتمعاتنا، ورفع الصوت تأكيداً على نظافة مجتمعاتنا من العيوب، ما هو إلا مخدر وقتي سرعان ما يتلاشى مفعوله! الحل يكمن في التسليم بوجود آفات نفسيّة ومرضيّة في مجتمعاتنا، وإْن لم تتكاتف مؤسساتنا الدينية والتربوية والعلمية على وضع حلول جذرية لهذه الشريحة من الناس، ستأخذ هذه الثغرات في الاتساع حتّى تحدث هوة عميقة من الصعب ردمها. يكفي تركة الخطايا التي ستتحمّل وزرها الأجيال القادمة!!