جامعة الأزهر… و”التبشير” الشيعي!!
جامعة الأزهر… و”التبشير” الشيعي!!
الأحد 2/3/2008
أعشق كل ما خلفته حضارة الأندلس من آداب وفنون، بل وأذكر كيف أحسستُ بغصة في حلقي وأنا أتجوّل في أرجاء قصر الحمراء بمدينة غرناطة. تستهويني دوماً قراءة تاريخ الأندلس بكل ما فيه من إنجازات مضيئة، وما خلفته هذه الحضارة من تراث فكري عميق، متحسرة على خاتمتها المأساوية، وهي التي ساهمت مساهمة فعّالة في تقدّم الغرب، وفي مساعدته للوقوف على قدميه بعد تخبطه قروناً في عصور الظلام!.
أكثر ما كان يُلفتني في تلك العصور الزاهرة، شيوع ثقافة التسامح، ورسوخ مبدأ الحوار، واحترام كافة المذاهب والأديان. وهذا كان جلياً في سياسات ملوك الطوائف الذين حكموا الأندلس، حيثُ تعاقب على وزاراتهم بجانب العرب، وزراء مسلمون على اختلاف هوياتهم ومذاهبهم.
تراثنا الحضاري زاخر بالعبر الحياتيّة، وتتخلله نكبات كثيرة، وفيه صور دموية يندى لها الجبين، مع هذا قلَّ أن تستوعب مجتمعاتنا العربية والإسلامية ما جرى لأسلافها! ونادراً ما تتوقف عند لوحات حياتها القاتمة، وتتمعّن في خطوطها المأساويّة! بل لا أبالغ إذا قلت بأنها ما زالت تصر على التغنّي بإنجازات أجدادها دون أن تلم بالأخطاء الفادحة التي تورّطوا فيها وجعلتهم يبحثون عن منفذ آمن، حتّى سقطوا سقوطاً مروّعاً سمعه القاصي والداني!.
ما الذي قلب حالنا؟ لماذا غدت سمة التعصّب غالبة على تصرفاتنا؟ لماذا أضحت لغة الغلو والتطرّف هي الدارجة في أوساط مجتمعاتنا؟ لماذا بات الفرد يُظهر ضيقه، ويُعلن تأففه، إذا سمع قولاً يُعارض معتقداته؟ لماذا هيمنت روح العنصرية في أروقة مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ لماذا نُعيب زماننا، ونُقرّعه ليل نهار، والعيب فينا ومنّا؟.
كلما تابعتُ بأسى ما يجري في العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها من بلدان العالمين العربي والإسلامي، ينغرس سؤال في فكري؛ من وراء تأجيج النزعة الطائفية والمذهبية في مجتمعاتنا العربية والمسلمة؟ لمصلحة من يسقط هؤلاء الضحايا؟! ألم يحن الوقت لكي تُساهم المؤسسات الدينية، بالمشاركة مع المؤسسات التربوية والتعليمية، في دحر الاختلافات من أجل مصلحة الفرد العربي والمسلم؟ أليس ما يقع من حرب خفية ضروس بين المسلمين، السنة والشيعة، في عدد من بلدان العالمين العربي والإسلامي، يستوجب وضع حلول جذرية لها؟! .
لقد أثار القرار الذي صدر مؤخراً عن شيخ الأزهر المتضمن قبول الطلبة الشيعة اللبنانيين في المعاهد والكليات الأزهرية، زوبعة في مصر، وانقسم الناس بين مؤيد وممتعض ومتخوّف من انتشار المد الشيعي، في أن يأخذ في المستقبل شكلاً من أشكال التبشير!.
لا أعرف لماذا صارت مجتمعاتنا تنظر للأمور الواقعة على الأرض نظرة ضيقة الأفق، تُعبّر عن مطالبها بكل هذا الكم من العنف؟! لماذا لا ندع النوايا الحسنة تُرفرف على أسطح منازلنا، بدلاً من ترك إشارات التزمّت تُسيطر على عقولنا وتتحكّم في تصرفاتنا؟! لمَ لا نتعظ من أنهار الدماء التي تسيل يومياً في طرقاتنا نتيجة التعصّب المذهبي، واجتياح النعرة الطائفية الساحات العربية والإسلامية؟!.
إن قرار الأزهر تكمن أهميته من وجهة نظري، في إفساح المجال أمام الطالب الأزهري للتوسَع في دراسة المذاهب الإسلامية على اختلافها، والمساهمة من خلال موقعه في خلق تقارب فكري بين المذاهب، وفي نفخ روح التجديد في بنية ديننا الإسلامي لما فيه مصلحة المسلمين كافة.
استوقفتني عبارات التحذير من التبشير الشيعي! فلا يُوجد إنسان حر واع على وجه الأرض مرغم على اعتناق مذهب أو الانتماء لطائفة أو إتباع دين دون إرادته أو قناعته الذاتيّة! إننا لسنا بحاجة إلى رفع عصا الترهيب أو التخويف أو التحذير في وجه كل من يقف في الجهة المعاكسة لنا! نحن بحاجة ماسة إلى صحوة دينية تُرينا الطريق على امتداده واتساعه، وتنبهنا أن هناك أوقات معينة للشروق وأخرى للغروب. صحوة حقيقية تستند الى احترام كينونة الآخر؛ نهجه، مسلكه، عقيدته. صحوة لا تلجأ للعنف في تمرير قوانينها، وإنما من خلال التمسك بمبادئ الحوار العقلاني التي للأسف ذابت حبالها الصوتية من تكرار الصراخ الأهوج!.
إن قمة العيب أن نجفل من بعضنا بعضا، ونتصيّد المخالفين لنا في الأزقة المظلمة، والحياة بأوجهها المتضاربة تقر بأنها لم تعد تحتمل كل هذا الضجيج المفتعل!.