الإعلام في زمن الحرب
الإعلام في زمن الحرب
الأحد 29/4/2007
يظل الإعلام، الورقة الرابحة في تأثيرها على فكر المجتمعات، وكم من أخبار ساهمت في تأجيج مشاعر الشارع العربي، وكم من برامج ثقافية أدّت إلى ترسيخ مفاهيم لم تكن ظاهرة على السطح، وكم من كلمات لاذعة حرّكت رواكد مكبوتة! لكن هل الإعلام العربي اليوم، في ظل سياسة الترفيه التي ينتهجها الكثير من القنوات الفضائية العربية، ساهم في تنوير العقل العربي، وفي قشع الكثير من الحقائق المتوارية عن الأنظار؟! وهل يحرص بنية صادقة، على نقل الأخبار بحياد وموضوعية، حتّى يكسب ثقة الفرد العربي؟!.
“الإعلام في زمن الحرب” كان شعار الملتقى الإعلامي الرابع الذي أقيم مؤخراً بالأردن على مدى يومين، وتحت هذا المسمى تمَّ تقديم ندوات ومحاضرات، كانت من ضمنها ندوة “إعلاميون في ساحة المعركة” لاقت استحسان الكثيرين، وشارك فيها عدد من مراسلي ومراسلات بعض الفضائيات العربية، من أهمهم غسان بن جدو، مُقدّم برنامج “حوار مفتوح”.
لفت انتباهي في شهادته التي أدلى بها، كيف رفض السفر إلى العراق وتغطية الحرب فيه، ليقينه بأنه سيتعرّض لضغوطات قوات الاحتلال من جهة، والسلطات العراقية من جهة أخرى، مما سيفقده الحيادية في نقل الواقع، وتقديم معلومات مغلوطة، متابعاً بأن الشجاعة في ساحة الحرب من الممكن أن تُصبح انتحاراً، كون المراسل لا يملك سقفاً يقيه من ويلات الحرب!.
كانت تجارب المراسلين والمراسلات زاخمة بالقصص المأساوية، وفيها نبض إنساني، بسبب تفاعلهم مع ما يجري على أرض المعركة. حكوا عن الأخطار التي يتعرضون لها، خاصة تلك اللحظات التي يحسُّ فيها أحدهم بأن روحه ستُسلب منه، ورؤيتهم لشبح الموت يُطل برأسه عليهم يومياً، مما جعل الخوف يربض في أعماقهم، وهو ما يفرض سؤالاً: لماذا لم يُطالب الإعلام العربي، المجتمع الدولي، بوجوب وضع قانون يتم بموجبه توقيع عقوبات صارمة، على الدولة التي لا تُراعي المراسلين الذين يقومون بالتغطية الإعلامية على أرضها؟!.
في ندوة “الإعلام العربي والمرأة في العالمين العربي والإسلامي”، التي شاركتُ فيها مؤخراً بأبوظبي، كان من ضمن ما قالته مراسلة “الجزيرة” شيرين أبو عاقلة، أنه لولا دعم أسرتها، وسؤال الناس عنها للاطمئنان عليها، وتشجيع مجتمعها لعملها، لما استطاعت الصمود ومواصلة المسيرة، خاصة في ظل ظروف الاحتلال التي يُعاني منها الشعب الفلسطيني، مما يستدعي سؤالاً آخر.. المراسلون الذين يتعرضون للموت، أو للإصابة، أثناء تأديتهم لعملهم في ساحة المعركة، هل يتم تعويضهم مادياً، والوقوف بجانب أسرهم؟!.
في الماضي كانت الشعوب العربية لا تعرف شيئاً عمّا يجري من حولها، إلا من خلال إعلامها الرسمي المغلوط، الذي يروّج لسياسات الأنظمة التابع لها، مما جعلها تفقد الثقة فيه، لكنها اليوم بدأت تسترجع ثقتها فيه، لأن هناك أصواتاً منهم تنقل كل ما تراه، وتقذف بأجسادها في ساحات المعركة، من أجل إيصال الحقيقة لهم.
الطريق أمام إعلامنا العربي ما زال طويلاً، لكن لو قارنا الصورة بين الأمس واليوم، سنجد أنه على الرغم من أن هناك أنظمة ما زالت تستميت من أجل إخفاء الحقيقة عن شعوبها، وتُحاول تجميل أخطائها، والضرب بيد من حديد على كل من يخرج عن خطها الذي رسمته، فإن تيار المكاشفة عالٍ، والنوافذ أصبحت مشرّعة على آخرها، والمراسلين الشجعان ترتفع أعدادهم يوماً بعد يوم. لكن ماذا عن تأثير رأس المال على الصناعة الإعلامية؟! هذا ما سأتحدّث عنه لاحقاً.