شر البلية ما يُضحك!
شر البلية ما يُضحك!
الأحد 5/8/2007
تعلمنا في صغرنا بأن الضحك من غير سبب يُسمى قلة أدب! لكن من منّا لا يحب الضحك! من منّا لا يحس بلسعة حسد صغيرة تمس شغاف فؤاده، كلما اخترقت أذنيه ضحكة صافية أطلقها أحد المارة وهو سائر في طريقه، أو سمعها من أحدهم، صادف جلوسه بجانب طاولته في مقهى، أو فجّر أحد الضيوف رنتها في وجهه، من الذين تستضيفهم الشاشة الصغيرة في برامجها العديدة!.
بلا شك أن الضحك من القلب أصبح عملة نادرة، على الرغم من أن الشعوب العربية معروف أنها أكثر الشعوب حبّاً للدعابة، وحرصاً على الترفيه عن نفسها. ويُقال بأن المجتمعات التي تُطلق النكات على أوضاعها المعيشية، هي مجتمعات ترزح تحت طائلة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية، وتُعاني من القلاقل السياسية، وأن شعوبها مطحونة تُنفّس عن همومها وتهرب من آلامها، بالتندّر على حياتها والاستهزاء بمشاكلها، بإطلاق النكات هنا وهناك!.
أتذكّر بعد انهيار سوق الأسهم الخليجية، انتشرت حمّى النكات التي تغمز على حقيقة ما جرى في الخفاء، منطبقاً عليها المثل القائل “شر البلية ما يُضحك!”. وأعترف بأنني أدمنت فترة على هذه النوعية من الرسائل التي كانت تأتيني عبر هاتفي النّقال، الذي لم يكن يصمت بريد رسائله المتخم برصيد كبير من التعليقات الطريفة.
كنتُ قد قرأتُ في إحدى المجلات خبراً يقول بأن عدة ولايات أميركية انتشرت فيها مدارس لتعلّم الضحك بواسطة اليوغا، وهي رياضة مشهورة في المجتمعات الهندية تهدف إلى تعليم الناس كيف يعيشون في صحة جيدة وسعادة دائمة. وقد علّقت واحدة من صديقاتي على هذا الخبر قائلة بنبرة تعجّب: “قد أعذر الهنود لتعلقهم بهذه الرياضة حيث يعيش ملايين منهم تحت خط الفقر المدقع، لكن لا أدري لماذا الشعب الأميركي يأخذ دروساً في تعلّم الضحك! لديهم كل شيء في بلدهم… الطبيعة الخلابة، التسوّق، السينما الهوليوودية الصاخبة، الديمقراطية المطعمة بالاستقرار السياسي، إضافة إلى مناخ الحرية التي تجعل المرء قادرا على أن يقول رأيه في أنظمة بلاده وينام قرير العين في نهاية يومه من دون أن يصيبه أرق الخوف! والأهم من كل هذا وذاك أن ساساتهم يتحكمون في العالم بريموت كونترول صغير، يضغطون به أحيانا على زر المصالح وأحيانا أخرى على زر الوعيد والتهديد”!.
ضممت صوتي لصوت صاحبتي من دون تردد، معلقة بأن هذه النوعية من المدارس تحتاجها شعوبنا العربية أكثر من غيرها! فأفرادها يستنشقون طوال الوقت رائحة الفواجع! ما أن يستيقظ أحدهم ويفتح التلفاز حتّى يُفاجئه سيل الصدمات بدءاً من أخبار فلسطين المحتلة ومروراً بالعراق وانتهاء بلبنان. وحتّى لو رغب المرء في الترويح عن نفسه بالفرجة على مسابقات الجمال وبرامج أجمل الأصوات، سيُصاب بخيبة أمل من كثرة الصور الكاريكاتورية المصاحبة لهذه البرامج!.
مع حلول الصيف سألتني واحدة من صديقاتي بنبرة تغلفها الكآبة… لا أدري أين أصيّف! العالم كله مشتعل! أوروبا وضعت بنودا تعجيزيّة للحصول على تأشيرات الدخول في وجه كل من يرغب السياحة في بلدانها. أوطاننا العربية معظمها لم تعد آمنة، ملهية بمطاردة الجماعات الإرهابية على أراضيها. وإن فكّر بعضهم في القعود في بيته، قتلته حرارة الصيف التي وصلت إلى أعلى درجاتها هذا العام، مصحوبة بانقطاع التيار الكهربائي الذي أصبح عذاباً يوميّاً. وإن نجح في التملّص من هذه المشاكل التي تحيط به، وجد نفسه مُحاصراً بعدد من الأوبئة الخطيرة التي انتشرت في السنوات الأخيرة، وعجز الأطباء عن إيجاد علاج لها، وتقاعس شركات الأدوية في تمويل الأبحاث تطلعاً إلى جني المزيد من الأرباح من وراء الحبوب المسكنة التي لا تُسمن ولا تُغني!.
الضحك صناعة جميلة لا تحتاج إلى تدريب يومي، هي في الأساس نعمة لا تعيش إلا في مناخ صحي وأجواء غير ملوثة، في عالم إنساني حقيقي بعيد عن الدسائس والأحقاد، لذا غدا الاستقرار النفسي في دنيانا نادر الوجود. المجانين وحدهم من يملكون القدرة على الضحك، في عصر أصبح الضحك من علاماته الكبرى التي بالتأكيد ستودع صاحبه في مستشفى المجاذيب. العقلاء لا يضحكون!.