العبودية.. وأوجاع القيود
العبودية.. وأوجاع القيود
الجمعة 8/12/2006
يُحيي العالم في الثاني من سبتمبر من كل عام، اليوم العالمي للقضاء على العبودية. وكلمة عبودية هي كلمة مطاطية المضمون، مثل غيرها من الكلمات التي تاهت معانيها في خضم ما يجري في بقاع كثيرة بالعالم، من أحداث وفواجع ينضح لها جبين البشرية! فالعبودية لدى الكثيرين، تعني التحرر من الملكية والتبعية لفرد معين دون سواه، وحق الإنسان في تحديد مصير حياته. لكن العبودية في رأي البعض الآخر تجاوزت هذا المعنى المألوف، وبدأت تأخذ أنماطاً أخرى، وأشكالاً متعددة.
منذ عقود شدَتْ أم كلثوم بأغنيتها الشهيرة “الأطلال” المأخوذة أبياتها عن قصيدة مطولة للشاعر إبراهيم ناجي، ولا أدري إن كانت السيدة أم كلثوم وهي تتغنّى بمقطع “أعطني حريتي أطلق يديَّ” تُعبّر عن مفهوم الحب المتعارف عليه عند العشاق، أم أنها كانت تُعبِّر عن مشاعر الملايين من البشر الذين أثقلتهم أوجاع القيود!.
على الرغم من التعتيم الإعلامي الحاصل في جهات معينة من أفريقيا السوداء، التي تُعاني من القلاقل السياسية، والأوضاع الاقتصادية المتدنية، إلا أن الرق رجع على استحياء فيها نتيجة لهذه العوامل مجتمعة. كما أن سوق النخاسة المتمثل في المتاجرة بالنساء، والأطفال، عاد لينتشر بقوة في بعض بلدان أوروبا الشرقية، بعد حروب الإبادة العرقية التي جرت على أراضيها في الماضي.
كما أن ما يجري للمرأة في العديد من الدول العربية، هو نوع من العبودية المبطنة. فالمرأة التي لا تُحاسب على أفعالها من منطلق أنها مخلوق غير مسؤول عن تصرفاته، يصبُّ في خانة العبودية، لأن المرأة مثل الرجل لها عقل راشد، ومن الواجب أن تتحمل تبعية تصرفاتها. المرأة التي يُعطي القاضي لنفسه الحق في التفريق بينها وبين زوجها، دون أن يحترم موقفها الثابت في التمسك بأسرتها، والاحتفاظ بزوجها، والتلاعب بورقة الدين، والانصياع لأعراف بالية، تصبُّ في مصلحة الرجل، هو نوع من العبودية. الفتاة التي حكم عليها القاضي بالجلد بحجة أنها كانت في خلوة غير شرعية مع شاب، واعتبارها مذنبة وليست ضحية، والحكم على مغتصبيها السبعة بأحكام مخففة دون التريّث في الحكم، لخطورة تبعات المسألة اجتماعيّاً وأمنيّاً، فيه تمييز لقضايا المرأة، وإهانة لكرامتها، وبالتالي هو نوع من العبودية.
إن العبودية في العصر الحديث، غدت تعني التمييز الجنسي والعرقي والطائفي والمذهبي بين أبناء المجتمع الواحد. وتعني افتقاد المجتمعات للأمن المادي والمعنوي داخل أوطانها.
من حق العالم الاحتفاء بالقضاء على العبودية، لكنه للأسف احتفاء مُزيّف! فالقضاء على العبودية يبدأ بتحرير الإنسان رجلاً كان أم امرأة، من كل صنوف التبعية الفكرية والسياسية، وإلغاء القيود المفروضة على حرية التعبير، وحق الفرد في الإفصاح عن آرائه دون أن يتعرَّض للمهانة والقمع والإقصاء! القضاء على العبودية يبدأ بتحرير الإنسان من الفقر والمجاعة التي دفعته إلى الدوران في ساقية البحث عن قوت يومه. القضاء على العبودية يعني وضع حد للقلاقل السياسية، وأطماع الساسة، الذين قضوا على الأخضر واليابس في بلدانهم، دون أن يضعوا في حسبانهم أمان شعوبهم.
العبودية، سيل قذر، يُدمِّر في طريقه كل الدروب الآمنة، التي تحفظ حق المرء في العيش على هذه الأرض بالطريقة التي يختارها، والنهج الذي يريده. ليحتفي العالم بالقضاء على العبودية، لكن ليت هذا الاحتفاء يتم عن إرادة حقيقية في تحقيق أبسط مطالب الإنسان الحياتية.!