متى نطرد نرجسيتنا؟!
متى نطرد نرجسيتنا؟!
الجمعة 1/12/2006
قابلت إبان إقامتي في لندن، امرأة ماليزية. سألتها بنبرة لا تخلو من إعجاب: كيف حققتم إنجازات مبهرة في مرحلة ليست بالطويلة، واستطعتم تجاوز اختلافاتكم العرقية والدينية، وأصبحتم في مقدمة الدول الآسيوية؟! أجابت بابتسامة هادئة: ببساطة شديدة لقد أحببنا بلادنا حبّاً حقيقياً، وليس حبّاً وقتيّاً. والحب الحقيقي كما تعلمين له شروط قاسية، لا يستطيع التمسّك بها إلا من يملك قلباً ناصعاً، والقلب الناصع يجب أن تتوفر فيه خصائص عديدة أيضاً، بالتأكيد تعرفينها. علّقتُ ضاحكة.. أفيديني أفادكِ الله. قالت: أنا امرأة مسلمة، لكنني لم أقف يوماً موقفاً متزمّتاً مع أي من الطوائف والأديان الأخرى التي يقوم عليها نسيجنا الاجتماعي، جميعنا تربينا على أن نكون أولاً وأخيراً ماليزيين يجمعنا عشق هذا الوطن. بمعنى أصح جرَّدنا أنفسنا من العنصرية البغيضة، ووضعنا أيدينا بعضنا مع بعض لبناء بلدنا. لقد كنّا محظوظين برجل مثل مهاتير محمد، هذا الإسلامي غير المتزمت، الذي آمن بأن تطوير مجتمعه يجب أن يقوم على تطوير أساليب التعليم، والاستفادة من إنجازات الغرب، مع الاحتفاظ بهوية بلادنا الإسلامية.
تمنيتُ لو كان عندي شيء مما عندها! أن أحكي لها عن إنجازاتنا كدول عربية! لكن ماذا أقول وفي الجراب الكثير من العفن الفكري، والتطرّف الديني، والتدهور الاقتصادي، والمزيد من الفساد المالي والإداري والسياسي، الذي انتشر في بلداننا مثل النار في الهشيم! تمنيتُ لو كانت هناك نافذة مُشعة أدلف منها، لأطلعها على مدى ما ارتكبته دولنا من أعمال فاضحة في حق شبابها! تمنيتُ لو كانت المرأة العربية قد نالت كافة حقوقها السياسية والاجتماعية لأتباهى بإنجازاتها! لكن كما قالت، الحب هو الذي يجعلنا نبذل الغالي والنفيس من أجل من نحب. وما دام عشق الأوطان هزيلاً داخل الأفئدة، فلن تقوم لمجتمعاتنا قائمة. وما دامت ثلة من اللصوص يلعبون بمقدرات بلداننا، دون أن يخضعوا للمساءلة، فلن تتقدم مجتمعاتنا. وما دامت الأموال العربية تُصرف على نفقات التسلّح، وتكديس السلاح في المخازن حتّى تنتهي صلاحيته، فلن ينصلح حال بلداننا. وما دامت الحكومات العربية تضنُّ بالأموال على تأسيس منهجية علمية سليمة، لدعم الأجيال القادمة، سنظل مكانكْ سرْ، تتقاذفنا الأفكار الهدّامة!!.
إن النرجسية المتوغلة في بنية مجتمعاتنا، وأننا خير أمة أخرجت للناس، لن تكون هي مفتاح الضمان الذي سيفتح أمامنا كل الأبواب المُغلقة، فالأمم المتحضرة لا تقتات بماضيها، وإنما تُصبح في المقدمة بإنجازاتها وما تحققه لصالح مجتمعاتها.
الأمم الحقيقية هي تلك التي تفتح النوافذ على مصراعيها، لتقطف ثمرات الغير حتى تُعيد بناء قواعدها التي تحمل هويتها، كما فعل الغرب معنا ذات يوم حين كنا في المقدمة وكانوا هم في مؤخرة الصفوف. اليوم نحن في المؤخرة، وهم قد تجاوزونا بمئات السنين، ومع هذا ما زلنا نتعنّت ونتفاخر بماضينا، الذي توقفت عجلة الزمن عنده.
ليس عيباً أن نعترف بتخلفنا، وأن نقرّ بأخطائنا. وليس جحوداً أن ننهل من معارف وإنجازات الغرب. وليس عقوقاً أن نُسلِّم بتفوقه علينا. ففي ذات يوم من التاريخ البعيد، كان الغربيون يشدون الرحال إلى أراضينا ليطلعوا على علومنا، ويستقوا من فكرنا. اليوم مجتمعاتنا العربية متحجِّرة الفكر، تُكابر بتعالٍ، همُّها تصيّد مواقف الغرب تجاهنا، متجاهلة أن الغرباء سيُجبرون على احترامها لو رفعت راية المعرفة، وانصرفت لترميم تصدعات بنيانها، الآيلة للسقوط.!