عوضنا على الله!
عوضنا على الله!
الأحد 08/01/2012
ثورات الشعوب تقوم من أجل تحقيق أهداف نبيلة، وإن حادت عن مسارها الصحيح في وقت من الأوقات! وعندما تقرع طبول الحرب تكون أولى ضحاياها آثار البلد النفيسة، حيث يغتنم أشخاص غير شرفاء فرصة الفوضى الحاصلة وانعدام الأمن المصاحب عادة لضجيج الحرب في سرقة قطع أثرية نفيسة، كونها تُدر أموالاً ضخمة على سارقيها في حال بيعها لتجّار مافيا الآثار.
يوم دخول القوات الأميركية أرض العراق تم نهب المتحف العراقي الذي يحتوي على قطع أثرية نادرة تعود لآلاف السنين منذ عهد الآشوريين والبابليين، والتي للأسف لم يعد معظمها للعراق لحد اليوم رغم النداءات، التي أطلقتها منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو)، بوجوب إعادة الآثار المنهوبة لوطنها الأصلي، وهو ما أدّى وقتذاك إلى تسمية الحرب العراقيّة بـ”نزيف الآثار”.
تعدُّ الآثار الفرعونيّة من أهم الآثار التي استقطبت الخبراء الأجانب، وأكثرها عرضة للنهب منذ دخول الحملة الفرنسية لمصر. ومع اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر واتجاه الأنظار إلى ميدان التحرير وانشغال الناس بأحداثه، تم سرقة 18 قطعة أثرية من المتحف المصري بالقاهرة من ضمنها تمثال شهير للملك توت عنخ آمون، ومازال البحث جاريا عنها.
وفي ليبيا عند قيام الثورة هناك، تحرّكت أيادٍ خفية وقامت بنهب قطع أثرية نفيسة، وهو ما دفع (اليونسكو) إلى مطالبة الأطراف المعنية بالفن والتراث وتجارة الآثار الدولية إلى البحث عن القطع المسروقة، التي تعرضت للنهب خلال شهور الثورة، خاصة وأن في ليبيا خمسة مواقع أثرية مُدرجة على قائمة التراث العالمي، من أشهرها مدينة (لبدة) التي تُعتبر من أجمل مدن الإمبراطورية الرومانيّة.
بلا شك أن المتاجرة بآثار البلاد يعدُّ جريمة لا تغتفر في بنود القانون الدولي، يصل عقابها إلى تنفيذ الإعدام في حق مرتكبها. لكن هل هدم أو طمس أو تغيير تراث أمة يعدُّ جريمة هو الآخر، أم أنه شأن خاص؟! طرحتُ السؤال على نفسي وأنا أقرأ مقال الأستاذ جميل فارسي المعنون بـ (أمة بلا تاريخ هي أمة بلا مستقبل). فيه كتب غاضباً عن القرار الذي اتخذته إحدى اللجان بتغيير مسمّى بابي الفتح والعمرة من أبواب الحرم المكي دون إبداء أسباب وجيهة تستوجب القيام به، مُعتبراً أن هذا المطلب تنكّر للتاريخ!
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها طمس شيء من الآثار داخل السعودية، فقد سبق وأن كتبتُ معترضة على هدم عدد كبير من المعالم الإسلامية في منطقة قباء بالمدينة المنورة لأسباب واهية، وهو ما يُشكّل حقيقة ظاهرة خطيرة إذا استمرت!
نعم أمّة بلا تاريخ هي أمّة بلا مستقبل، ولايُمكن أن تستشرف الأجيال الجديدة مستقبلها دون أن تتعرّف على ماضيها وتتلمّس حاضرها. كل أمم الأرض تعتزُّ بتاريخها، وكما الأوطان خط أحمر لا يجوز التلاعب بأمنه، كذلك التراث التاريخي لايجوز المساس به أو طمسه أو تحريفه، كونه حقاً من حقوق الأجيال القادمة الذي يُمثّل هوية أجدادها.
لقد تعودتُ عندما تخطُّ قدماي أرضاً جديدة أن أزور متاحفها وأطّلع على آثارها التاريخية لأعرف هوية شعبها، فكيف يقوم البعض بهدم تراثنا بدم بارد ليُصبح تاريخنا صفحات بيضاء ليس له أصل ولا فصل؟! إنها قمة القسوة في التعامل مع تراثنا الحضاري.