حوارات صحفية 2007
﴿ مجلة دبي الثقافية الشهرية ﴾
زينب حفني لـ”عربيات”: ثورات التغيير لم تحدث في طرفة عين
يونيو 2007
يحي البطاط
قالت الأديبة السعودية زينب حفني إن كل ثورات التغيير في كافة المجتمعات، لم تحدث في طرفة عين، بين يوم وليلة بل قامت بفضل أبنائها المتنورين الذين سبقوا زمانهم بتطلعاتهم مشيرة إلى أن النساء في المجتمعات العربية ضحايا مفاهيم وموروثات اجتماعية كثيرة .
وقالت الأديبة السعودية إنها “ليست نادمة، لم ولن أندم يوماً على أي حرف خطّه قلمي لأنني أكتب من منطلق قناعاتي. للأسف، الشخصية العربية تقوم على جلد الذات وتقريع الآخرين، وتحب النبش طوال الوقت في قبور الماضي”.
ولأهمية الآراء التي تضمنها الحوار مع الأديبة زينب حفني تقوم “آفاق” بإعادة نشر الحوار:
هذه هي قضيتي التي أصرّ على مواصلة نضالي فيها
لم أكتب نصوصاً فضائحية كالتي في صحف التابلويد
الأدب الفضائحي أصبح وسيلة للشهرة السريعة
بطلاتي بشر، أتركهن على سجيتهن من دون تملّق أو تزييف
جمع الأديبة السعودية زينب أحمد حفني أصنافاً متعددة من فاكهة الأدب في سلة واحدة، فهي روائية، وقاصة، وشاعرة، وكاتبة عمود أسبوعي، وقد تذوقت، وأذاقت القراء معها، بعضاً من فاكهتها من خلال سلسلة إصدارات; بدأت ب (رسالة إلى رجل) عام 1993، وهو كتاب يضم مجموعة نصوص نثرية، تصفها بأنها نصوص وجدانية كُتبت بروح الشعر، ثم أصدرت الكاتبة بين عامي 1994 و 2000 ثلاث مجموعات قصصية، هي: قيدك أم حريتي، نساء عند خط الاستواء، وهناك أشياء تغيب. وقد أثارت مجموعتها (نساء عند خط الاستواء) جدلاً واسعاً في الساحة السعودية عند نشرها عام 1996م، لما تميّزت به من جرأة، وتعدٍ على الخطوط الحمر الكثيرة في مجتمعها بعد القصص وفنونها وخطوطها، عادت حفني إلى فاكهة الشعر ثانية، لتصدر كتاباً بعنوان (إيقاعات أنثوية) عام 2004.
ولم تقف الكاتبة المولودة في مدينة جدة، عند هذا الحد، فبعد استراحتها الشعرية القصيرة، أقدمت على مغامرة إبداعية جديدة، مقررة تذوّق طعم الرواية، فقدمت إلى قراء العربية ثلاث ثمرات، الأولى تمّت طباعتها في القاهرة عام 1998م (الرقص على الدفوف)، والثانية صدرت عن دار الساقي عام 2004، وكانت بعنوان (لم أعد أبكي)، والثالثة بعنوان (ملامح) وصدرت عام 2006 عن الدار نفسها.
غير أن زينب المتخرجة في كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، عام 1993، لم تكتف بالأدب وأصنافه الطيبة، بل قررت أن تمارس دورها في مهنة المتاعب، فدخلت عالم الصحافة من أوسع أبوابه منذ العام 1987، وتنقلت بين عدد من الصحف والمجلات السعودية والعربية، واستقرت ككاتبة مقال أسبوعي في جريدة (الشرق الأوسط) على مدى خمس سنوات. وانتهى بها المطاف أخيراً في جريدة (الاتحاد) الإماراتية بمقال أسبوعي. تحرص من خلاله على تسليط الضوء على الأبعاد الإنسانية والاجتماعية في القضايا الساخنة التي تشغل الساحة العربية.
ولأن كتابات حفني جريئة، وتثير الكثير من الزوابع حولها وعليها، وخاصة مجموعتها (نساء عند خط الاستواء) التي شكّلت صدمة مروعة داخل المجتمع السعودي، لجرأة محتواها في تعرية الواقع والكشف عن المستور، سألناها أولاً:
لماذا اخترت المواجهة، ألا تخشين هجمات المعارضين. . وهم كثر وقساة أيضاً؟
أجابت الكاتبة السعودية بعد أن أطرقت للحظات وكأنها تستجمع شتات أفكارها: – بداية أؤكد لك بأن كل ثورات التغيير في كافة المجتمعات، لم تحدث في طرفة عين، بين يوم وليلة. ولم تصل إلى ما وصلت إليه، وهي مسترخية على وسائد حريرية، بل قامت بفضل أبنائها المتنورين الذين سبقوا زمانهم بتطلعاتهم. وفي كل مجتمع هناك أكباش فداء قدموا أنفسهم على مذبح الحياة، لكي يحققوا ما حلموا به وفيه النفع للأجيال القادمة. والنساء، ضحايا مفاهيم وموروثات اجتماعية كثيرة، كلها تقوم على قاعدة ذكوريّة. الفكر ذكوري، والأدب ذكوري، والحياة كلها ذكوريّة! ! وعليه وجدتُ أن دوري الإنساني، والثقافي، يتطلب مني أن أضع إصبعي بجسارة على آلام ومشكلات مجتمعي، وخاصة قضايا المرأة ومشكلاتها مع الرجل. ، وأنا على أهبة الاستعداد لمواجهة المعترضين من العقول المتعصبة. لكن، على رغم هذا العراك اليومي، فأنا متفائلة، ثمة انفراج الآن يلوح في الأفق، صحيح هو انفراج بطيء، لكنه أفضل من لا شيء.
يقول بعض النقاد إنك أول من تجرأ من الكاتبات، وكشف المستور والمسكوت عنه في الثقافة السعودية، ما تعليقك؟
نعم أنا رائدة فن كشف المستور داخل السعودية، وأنا أول من فتح الباب من الأديبات السعوديات لتجربة هذا النوع من الكتابة الفضائحية الموجودة اليوم داخل المجتمع الثقافي السعودي، لكنني لم أكتب نصوصاً فضائحية كالتي في صحف (التابلويد)، من أجل الشهرة وجني المال، بل كتبت فناً أدبياً راقياً، وسعيتُ لأن يكون لي أسلوبي الخاص، طرحت من خلاله رؤيتي حول سلبيات مجتمعي، وكشفتُ عما يدور في الطرقات والحواري الخلفية! !، ما يجري الاَن في السعودية يشبه ثورة ثقافية، فيها الغث وفيها السمين، وكل الثورات في العالم تداخلت فيها السلبيات والإيجابيات عند بداية ظهورها، لكن في النهاية يذهب الزبد ولا يصح إلا الصحيح.
لكن الأدب الفضائحي، إن صحت التسمية، أصبح وسيلة للشهرة السريعة، أكثر مما هو كشف للحقيقة؟
الأدب الفضائحي ليس دخيلاً علينا، فهو موجود في تراثنا الفكري. وأنا ليس عندي اعتراض على توجه الأدباء والأديبات الشباب لهذا النوع من الأدب، إذا كان الغرض منه نزع النقاب عن السلبيات الموجودة في المجتمع. لكن الملاحظ أن إنتاج الرواية أصبح مثل فتح صالون حلاقة، كل من هبّ ودب صار يمتشق القلم، ويكتب بدون أن يمتلك أدوات الكتابة الفنية، وبعضهم لا يعرف حتى أبجديات فن كتابة الرواية، ولا يُفرّق بين الحكاية والرواية، وهذه مشكلة لأن الجنس الروائي من أصعب الأجناس الأدبية، ويجب على الجيل الجديد من الأدباء السعوديين أن يفهموا شروط هذا الفن، وأن ينتهجوا أسلوباً خاصاً بهم يُبرز هويتهم، قائماً على بناء لغوي سليم، ومخزون ثقافي ومعرفي عميق، وكمٍ من التجارب الحياتيّة، قبل أن يلجوا في هذا العالم.
حدثيني عما واجهته من متاعب ومشكلات، بوصفك كاتبة تجرأت ووضعت يدها على الجرح، خاصة في مجموعتك القصصية (نساء عند خط الاستواء)؟
أعترف بأنني حملت وزر هذا الكتاب سنوات، ودفعت بعد صدوره أثماناً غالية، فقد مُنعت هذه المجموعة من السوق، وما زالت محظورة إلى اليوم! ! ومنعت حينها من السفر، حتى الإعلام الثقافي السعودي تجاهلني تماماً، على رغم أنني من رائدات فن القصة القصيرة والرواية في السعودية، بل لا أبالغ إذا قلت إنني أول من حرّك الساحة الأدبية بنتاجي القصصي والروائي، مع هذا ما زال يتم إقصائي عمداً عن كافة النشاطات الثقافية التي تقوم داخل بلادي، في الوقت الذي تتهافت الدول العربية على دعوتي للمشاركة في الكثير من نشاطاتها الثقافية! ! .
وهل أنت نادمة على إصدارك تلك المجموعة؟
لست نادمة، لم ولن أندم يوماً على أي حرف خطّه قلمي لأنني أكتب من منطلق قناعاتي. للأسف، الشخصية العربية تقوم على جلد الذات وتقريع الآخرين، وتحب النبش طوال الوقت في قبور الماضي، لذا ما زال الناس والنقاد لا يذكرون لي إلاّ هذا الكتاب الذي أثار حينها ذلك الزلزال المدّمر في أوساط مجتمعي.
خذ مثلاً الروائي المغربي محمد شكري ظل الجميع يتحدث عن روايته (الخبز الحافي) على الرغم من أنه كتب الكثير من الأعمال الجميلة التي لا تقل أهمية، لكن، ظلّ الجميع لا يتحدّث إلا عن هذا الكتاب! ! .
يحلو لبعض النقاد والكتاب أن يقسم الأدب تقسيماً حسب الجنس ، بمعنى; أدب المرأة وأدب الرجل، هل تنحازين لهذا التقسيم؟
أنا أرفض التقسيم للأدب، بين ذكوري وأنثوي. أدب المرأة هو أدب إنساني، وحتى أكون صادقة معك علي ألا أنكر أن هناك نفحة أنثوية في كتابات المرأة، تنعكس في كتاباتها التي تُشكّل طابعها الخاص ، حيثّ فيها نغمة أنثوية خالصة، وذلك لقدرة المرأة على مراقبة التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية. لكن هذا لا يعني موافقتي لما يردده بعض النقاد بأن كتابات المرأة مجرد بوح داخلي، تدور حول همها الخاص ، وأن نتاج الأديبة ليس له دور في حركة التطوير الثقافي. هذا اتهام زائف، ومن هذا المنطلق أرفض هذا التصنيف القائم على التمييز العنصري تجاه فكر المرأة.
برأيك. . لماذا تجاهلتك الصحافة الثقافية، لماذا هاجمك نقاد الأدب في السعودية، هل لأنك امرأة كاتبة فقط؟
معظم النقاد في السعودية كتبوا سلباً عن تجربتي الأدبية، وأعتقد أنهم سلكوا هذا المنحى رغبة في مجاملة مجتمعي المحافظ الغاضب من تجربتي، والتي أعتقد بأنها لو صدرت عن رجل لمرت مرور الكرام! ! لم أقرأ إلى اليوم ناقداً أنصف تجربة زينب حفني، أو حاكمها بموضوعية، الكل بلا استثناء شارك في مقاضاتي من دون أن يستخدم أدواته النقدية بنزاهة وموضوعية، علماً بأن هناك روايات نسوية هزيلة وركيكة، هلل لها بعض من النقاد السعوديين بخبث، كأنهم تعمدوا أن يقولوا إن هذا أقصى ما يمكن أن تقدمه الأديبة السعودية!.
هل لأن كتاباتك جريئة، أم لأسباب أخرى؟
يوجد نتاج أدبي في السوق أكثر جرأة من كتاباتي، ومصرح له بالبيع، لكن الغريب أن الرقابة، للأسف، تتعامل مع نتاج زينب حفني من خلال اسمي الموضوع تحته خطوط حمر كثيرة، وليس من خلال محتوى الكتاب. ما يؤلمني حقاً أن معظم أعمالي لا تباع داخل بلادي.
وهل سيستمر هذا الموقف من كتاباتك طويلاً، أليس هناك ثمة انفراج كما تقولين؟
نعم هناك انفراج وإن كان طفيفاً، أنا متفائلة الآن، لكنه تفاؤل بسيط، ففي معرض الكتاب الأخير في الرياض تم فسح المجال لكتبي، وأجد في هذا بارقة أمل لكافة المبدعين المحظورة كتبهم في الداخل. كما قرأت أن هناك بعض الأديبات الصاعدات قمن بتوقيع كتبهن في أروقة المعرض، وهذا أيضاً يُشكل صورة إيجابية جميلة. . متمنية من كل قلبي أن تختفي كلمة رقيب على الكلمة من حياتنا.
كيف تفهمين كتابة الرواية، وما الحكمة التي توصلت إليها بعد تجربة ثلاث روايات؟
ذكرتني بالشاعرة الجميلة ميسون القاسمي، التي التقيتُ بها في مهرجان الدوحة الثقافي السادس . سألتني. . كيف استطعت دخول هذه المناطق المحرمة من دون أن ترتجف يداك؟! أجبتها بأنني امرأة انتحارية، وعندما أفكر في الانتحار لا أنظر لاعتبارات المجتمع، وماذا سيقول الناس عن الأسباب الخفية لانتحاري. قلتُ لها بأن كل منطقة محظورة اخترقتها بقلمي، تُمثّل موقفاً لي من الحياة. إنني أثأر من الحياة نفسها بأن ألطم كل ما فيها بقلمي! ! الرواية بالنسبة لي ثأر متواصل مع الحياة بكل ما فيها من تناقضات وسلبيات.
حدثيني عن روايتك الأخيرة (ملامح)، خاصة وأنك تطرقت فيها إلى الخيانة الزوجية، والعلاقات الشاذة؟
في روايتي الأخيرة (ملامح) صورت العلاقة بين المرأة والمرأة، وقد تناولت العلاقة (المثلية) بين النساء; بين بطلة الرواية ثريا وصديقتها هند، وقد بينت من خلال هذه العلاقة، كيف تجبر الظروف الاجتماعية المرأة على ولوج هذا العالم إذا وجدت الطرق أمامها مسدودة لإشباع رغباتها الفطرية والغريزية من طرف زوجها. لذا ترى أحياناً أن المجتمع يغض الطرف عن العلاقة بين امرأتين، ولكنه لا يتقبل العلاقة بين المرأة والرجل على الرغم من أنها العلاقة التي أوجبتها شريعة الحياة، وهذا يعني أن ثمة خللاً في نظرة المجتمع للعلاقات الإنسانية بصفة عامة، ولعلاقة الرجل بالمرأة بصفة خاصة. لقد كتب الناقد الفلسطيني عادل الأسطة عن روايتي (ملامح) بأنها رواية لم يجد لها مثيلاً في جرأتها إلا في (الخبز الحافي) لمحمد شكري، وفي رواية (الرواية) لنوال السعداوي، و(يا سلام) لنجوى بركات.
بطلاتك إذاً ضحايا المجتمع وشروطه القاسية؟
بطلاتي بشر، أتركهن على سجيتهن من دون تملّق أو تزييف. لا أفرض مواعظي عليهن، هن اللواتي يقدن مصائرهن، لذا أحترم قراراتهن لأنهن يُمثلن الضعف البشري بكافة أوجهه، وهو بالتأكيد مغروس بداخل كل منّا بدرجات متفاوتة! ! نعم بطلاتي ضحايا لمجتمعات لم تفهم طبيعتهن، ولم تُراع ظروفهن، ولم تُعط لهن الفرصة ليعشن حياة سعيدة، لأن المجتمعات العربية ما زالت قائمة على إعطاء صكوك غفران للرجل، ونصب المشانق للنساء!!.
•••
﴿ المجلة الثقافية الشهرية “عمّان” ﴾
حوار مع الأديبة السعودية – زينب حفني
أكتوبر 2007
كمال الرياحي
(ناقد وروائي تونسي)
يرى الروائي و المفكر السعودي تركي الحمد في واحد من الحوارات التي أجريت معه في إحدى الفضائيات أنّ بعض الكتّاب في مصر مازالوا ينظرون إلى الروائي الخليجي باعتباره نتاجا بتروليا ،فهو كاتب يأتي إلى الكتابة من مجتمع أصابه الثراء فجأة وأن نجاحاته رهينة بهذا البترودولار . من خلال هذا الإحساس بالغبن الذي شهدناه في شهادة تركي الحمد نحاول تحسس المنتوج الروائي السعودي من خلال سلسلة من الحوارات.
يبدو أن الرواية السعودية مثلها مثل كل المنتوج الروائي العربي الذي نبت في الأطراف تعانى من التهميش و كذلك الأمر مع رواية المغرب العربي التي أهملت رغم أن تجربة محمود المسعدي كانت رائدة فحدث أبو هريرة قال وروايته السد أيضا كتبت في الأربعينات و الثلاثينات من القرن العشرين …الرواية السعودية رواية أطراف و المركز هو القاهرة و قُسّم الوطن العربي تقسيما غريبا أدبيا فالخليج للشعر والشعر النبطي و المغرب للنقد و الفكر و الفلسفة و الشرق ونقصد مصر للرواية والقصة القصيرة.واليوم انحسر دور القاهرة التنويري
والمركزي و انفتح العالم برمته على مصراعيه أمام المبدع و هاهي الرواية السعودية تصلنا من لندن و فرنسا و اسبانيا و لبنان …
غير أن هذا التراكم أيضا متّهم بتهم أخرى وهي الكتابة الفضائحية و كأنما هي ظاهرة سعودية!!
يبدو أن الكتابة الفضائحية ظاهرة عامة غزت الأقلام العربية بعد اطلاع الكتاب العرب على نصوص غربية مترجمة لأعلام الأدب الغربي مثل هنري ميللر و جان جينيه و ماريو بارغاس يوسا ، وقد قد ساهم في تأجج هذه النصوص مساحة الحرية المتوفرة من خلال وسائل الاتصال المتطورة و انتشار دور النشر العربية خارج الوطن العربي من جهة و تفاقم القهر الذكوري من جهة ثانية و لا يمكن أن نهمل تجربة عربية مؤثّرة ساهمت في أحداث منعرج مهم في مسيرة الأدب العربي و نقصد تجربة المغربي محمد شكري وسيرته الفضائحية الصادمة .
تمكّنت الكاتبة الخليجية من أن تقوّل ذاتها و مجتمعها في نصوص سردية كثيرة بدأت تشكّل مدوّنة مهمّة يمكن أن تُدرس بصفتها منجزا إبداعيا موازيا لما خطّه الرجل عبر تاريخه الحبري الطويل .
لا ينكر أحد أن الكاتبات الخليجيات امتلكن جرأة كبيرة في اقتحام المنطق المحظورة و عوالم كانت موصدة أبوابه إلى عهد قريب نتيجة خصوصية البلد و نقصد ما حبّرته “رجاء الصانع” و ما وضعته تحت عتبة أجناسية غير متّفق عليها “رواية” نقصد نصها الممهور ب “بنات الرياض” و ما كتبته صاحبة رواية “الآخرون” التي لم تتجشّم البحث عن عنوان جديد وأصيل لروايتها ويظهر الفقر الروائي عندها من عدم معرفتها بالنصوص الروائية العربية لأنها لو قامت ببحث ساذج في الانترنت لاكتشفت أن هذا العنوان هو عنوان لرواية تونسية شهيرة . أما زينب حفني فقد كتبت المقال الصحفي و الشعر و القصة القصيرة و الرواية صدر لها : في القصة القصيرة “نساء عند خط الاستواء” و في قصيدة النثر “إيقاعات أنثوية” و في الرواية “لم أعد أبكي ” و” ملامح”و المتأمّل في عناوين هذه النصوص لا يمكن له إلاّ أن يلبس بردة القارئ الذي وصفه الحبيب السائح و يلجها بانتظاراته الذكورية من ناحية وبفضوله المتسائل عمّ ستكتب روائية خارجة من قلب المجتمع البطريركي ؟
و الحق أن زينب حفني زُجّت في خانة الكتابة الفضائحية و هي ليست كذلك لان المرأة تمارس الكتابة منذ سنوات و هي ليست دخيلة عنها . شكل روايتها “ملامح” رواية ممتعة و خطيرة بمعنى و هذا ما دفعنا إلى محاورتها حول هذه الرواية التي شغلت المشهد الثقافي العربي لوقت إبان صدورها .
أعتقد أن المشكل الحقيقي ليس في جرأة المواضيع فقط أو التيمات المتصلة بالحديث عن السحاقيات و الشذوذ الجنسي و عوالم النساء الداخلية في مجتمع محافظ ،المشكل الحقيقي يتمثّل في قراءة هذه الأعمال وفق مقتضيات الفن الروائي أو الجنس الروائي لأن الكثير من النصوص ينحسر فيه الفن لصالح التيمة و غرض الإدانة , و الحق أن المعضلة لا يمكن أن نرجع أسسها لا إلى الكاتب و لا إلى القارئ العادي إنما إلى الناقد الذي يحاول أن يهلل لهذا المنتوج و يعلي من شأنه و ينخرط هو بدوره في قناع النضال ؟؟؟؟؟ .
في هذا الحوار سبر لأغوار كتابة زينب حفني الروائية و القصصية و محاولة لمساءلة منتوجها الإبداعي الذي اختلف حوله المتابعين قراء كانوا أم نقادا .
هذا الحوار يسلّط الضوء على بعض أعمالها و يكشف عن رؤيتها للعالم و للكتابة .
لننطلق من جديدك ، روايتك الأخيرة “ملامح” كانت تحمل عنوانا آخر ” ملامح بلا عيون” لماذا اختصرت العنوان ؟ هل ترين أنّ التكثيف في العناوين أفضل من العناوين المطوّلة ؟ أم لأن العنوان الحالي مفتوح على إمكانات أكثر للتأويل ؟
بلا شك أن التكثيف في العناوين أفضل من العناوين المطولة، حيثُ أنها تُساعد القارئ على التقاط عنوان الرواية وتخزينه في ذاكرته بسهولة، إضافة إلى أن العنوان المختصر يُعطي إمكانات أكثر للتأويل من قبل المتلقي، ويرفع حرارة التشويق في ذهنه حول مضمون الرواية.
“ملامح” قد تعني هو أو هي في أي مجتمع. “ملامح” قد تعني حسر الغطاء عن وجوه متعددة الزوايا، تتعمّد السير متخفية في الظلام، بعد أن يُسدل الليل أستاره على الحواري والطرقات والأزقة الجانبية، حتّى لا يُلاحظ أحد خروجها، ويقتفي أثرها، ويعرف مقصدها.
يمثّل ” الحب” هاجسا مركزيا في أعمالك, تنظّرين له و تروينه و ترثينه…هل يشي هذا الاهتمام بحرمان عاطفي عاشته زينب حفني ؟
سؤالك توقفت عنده طويلا.قدّم لي إنسانا سويّا لا يُشكّل الحب هاجسا في حياته. صدقني جميعنا نبحث عن حب نقي نستنشق عبيره كل صباح عند نافذة حياتنا. لكن هذا لا يعني بأنني أعيش حرمانا عاطفيّا، فأن محاطة بحب الأهل والأبناء والأصدقاء. لكن حياتي فيها محطات وداع كثيرة. أحباء فقدتهم على مدار رحلة حياتي وما زلتُ أتطلع إلى لقاؤهم يوما. وأصدقاء خذلوني وحزنت لسقوط أسهم مكانتهم في قلبي. وأناس اضطررتُ إلى شطبهم من ذاكرتي لمرارة تجربتي معهم.
لكنني مع هذا أتساءل.. لماذا لم تبرر ما اشعر به إلى وجود هاجس اجتماعي، يُؤرق فكري ليلا ونهارا!! الحب لا يعني فقط رجل وامرأة، هناك علاقتك الحميمية بالأشياء والناس والأمكنة. جميعها مجتمعة تخلق في أعماق الأديب القلق والتوتر، لكن هذا الحرمان من وجهة نظري يُشكّل دعامة قوية للأديب الحقيقي، تدفعه للغرف من آبارها، ليروي ظمأ نفسه المتعطشة لبناء مدينته الفاضلة.
رغم نقمتك الشديدة على المجتمع الذكوري بشكل عام فإنّك تهدين أحد أعمالك إلى والدك و تعتبرينه الحب الأول في حياتك و إنه هو من علّمك أن الحياة كفاح لقهر شيء اسمه المستحيل ….هل كان والدك استثناء في هذا المجتمع الذي تحاربينه/ المجتمع الذكوري ؟
أريدك أن تُدرك جيدا، أنني لا أقف على الجانب المعاكس من الحياة، نكاية في الرجل، كون الرجل صراحة يمثل همزة وصل حقيقية في حياتي، ولا أفكر في إخراج خنجري من جرابه لأغمده في صدره. فكما أن المرأة تعتبر رحيق الحياة، كذلك الرجل يكمن في نبضه سر الكون.
والدي لم يُفرّق يوما بين أبناءه الذكور والإناث في المعاملة، بل كان يتفاخر بأولاده جميعا. لقد كنتُ محظوظة لأن أبي كان رجلا من طراز نادر. هذا لا يعني انتفاء هذا النموذج، لكن هناك قلة من أمثاله داخل مجتمعي.
للأسف المجتمع العربي في الأصل، مجتمع ذكوري وإن تفاوتت نسبته من بلد آخر، لكن يجب أن نُفرّق بين المجتمع الذكوري وبين الرجل بصفة عامة. أنا لا أحمل عقدة تجاه الرجل الشرقي، كونه هو الآخر أسير موروثاته الاجتماعية، وأعرافه البالية، وأسير ظروفه التي قهرت أحلامه وأمانيه، وأسير أنظمته القمعية، التي صادرت حقه في العيش بكرامة على أرضه، والتي انعكست تلقائيا على علاقته بالمرأة، شريكته في رحلة المعاناة. .
أي معنى و أي تعريف للأنوثة عند زينب حفني و قد جعلت مدار تجربتها في الدفاع عنها ؟
الأنوثة هي أجمل هبة جسّدها الله في المرأة، لكن للأسف يُنظر في بعض المجتمعات العربية إلى هذه الأنوثة نظرة حذرة، حيثُ تُطالب العقول المتحجرة بتدجينها، حتّى لا تنفرط عقدة الأخلاق وبالتالي تؤدي إلى خراب المجتمع!! هذه الأنوثة لو أُفسح لها المجال لكي تُمارس حياتها بصورة طبيعية أسوة بالرجل، ستصبح الحياة بالتأكيد أكثر رقيّا وتحضّرا وجمالا.
الأنوثة، تعني أن يحترم المجتمع عقليتي، ولا ينظر إلى مفاتني على أنها ستهدم معبد المجتمع على رؤوس أصحابه. الأنوثة، تعني ورقة المرور الحقيقية إلى بناء شراكة حقيقية مع الرجل.
أريد من الرجل أن يعطي المرأة عصارة روحه، كما يُطالب المرأة أن تفني ذاتها من أجله. الحياة لها وجهان جميلان، لا يمكن أن تكتمل لوحة الحياة إلا إذا تعانقت الملامح في سيمفونية جميلة، اسمها قدسية الحياة بين الرجل والمرأة.
بدأت كتابة يومياتك في سن ّ مبكّرة. هل مازلت على عادتك تلك ؟ هل يمكن أن نرى يوما هذه اليوميات ؟أم ستكون مادة خام لسيرة ذاتية أو أعمال إبداعية ؟
ما زلتُ أحتفظ بيومياتي البكر في درج مكتبي، أعود إليها بين حين وآخر. لكنني سأكون صادقة معك، لم أعد أمارس كتابة يومياتي بصفة يومية كما كنتُ في الماضي، ربما يعود هذا لكثرة انشغالاتي. لا أدري إن كانت هذه اليوميات ستكون مادة لسيرة ذاتية يوما ما، فالكاتب تتغيّر مرئياته لكثير من الأمور مع تراكم التجارب والخبرات، ومرور العمر.
هناك بلا شك الكثير من الصور الحيّة التي تفاعلتُ معها فكريّا أو وجدانيّا وقمتُ بالتنفيس عنها عبر قصصي ورواياتي، فمن الصعب أن يفصل الأديب روحه وشخصيته عن إبداعاته التي يُلقيها على الورق، لذا أفضّل أن تنعكس في مجمل أعمالي الإبداعية.
ترددين دائما عبارة “وجدانياتي ..” و مشتقاتها . هل الكتابة عندك مازالت نشاطا وجدانيا ؟
عندما أكتب مقالاتي، أتجرّد من وجدانياتي، حاملة هم أمتي على أسنّة أقلامي، فأكتب بحس عروبي خالص، محاولة البعد عن أي تحيّز شخصي، أو انفعال وقتي. بعكس القصة والرواية التي تحتاج إلى نشاط وجداني، لذا لا أشعر برغبة في الكتابة إذا وجدتُ نفسي خاوية من الداخل. لا بد أن يكون بداخلي شحنة من الثورة والتمرّد، وزخم من الانفعالات الحية المتشابكة، التي تدفعني لتفجيرها على الورق، في قصة أو رواية أو قصيدة نثرية.
هل فعلا تسبب نشر مجموعتك “نساء عند خط الاستواء” في عزلك من العمل بالشرق الوسط؟ ماذا قدمت زينب الحفني الإنسانة لزينب الكاتبة ؟
بل العكس هو الصحيح. الضجة التي صاحبت صدور مجموعتي “نساء عند خط الاستواء” منذ أكثر من عشرة أعوام، ساهمت في انتشار إسمي، وفي إفساح المجال أمامي للكتابة في صحيفة مهمة كصحيفة الشرق الأوسط الدولية. قرار عزلي عن الكتابة في جريدة الشرق الأوسط كانت لها أسباب كثيرة ما زلتُ أجهلها، وإن كان السبب الظاهر تغيير الهيكل العام للجريدة، واستقطاب أقلام أخرى جديدة!!.
سألتني ماذا قدمت زينب حفني الإنسانة لزينب حفني الكاتبة!! سؤال جميل، سرحت في مضمونه. الحقيقة هناك علاقة ود قوية تربط بين زينب حفني الإنسانة وزينب حفني الكاتبة. زينب حفني الكاتبة قدّمت الكثير لزينب حفني الإنسانة، من خلال نضجها الفكري، وهو ما ساعدها على فهم طبيعة ما يجري من حولها، وعلى القدرة في التعامل بموضوعية مع الأشياء والناس والأمكنة. كذلك زينب حفني الإنسانة قدّمت الكثير لزينب حفني الكاتبة، فانا بطبعي جريئة، عنيدة، لدي قدرة كبيرة على الصمود، وهذه الخصال ساهمت في جعلي قادرة على الاستمرار في عالم الكتابة، الذي ما زال من أصعب الطرق التي من الممكن أن تسلكها المرأة، في مجتمع لم يتقبّل بعد فكرة أن تكون المرأة ندّا للرجل في طرح قضايا مجتمعها الشائكة.
رأيت أنّك في معظم كتاباتك تنشغلين بالحكاية أكثر من الاشتغال على الفن الروائي أي الشكل الفنّي , فتبدو لي زينب في كثير من أعمالها “قدّوسية” نسبة إلى إحسان عبد القدوس . هل تعشقين هذا الكاتب إلى هذا الحد ؟ و متى تتخلّصين منه نهائيا؟
سؤالك فيه اتهام مبطّن. لكن من وجهة نظري، يظل إحسان عبد القدوس أول الأدباء العرب الذين غاصوا بجرأة في عوالم المرأة العربية. لا أنكر بأنني تأثرت بأسلوبه في فترة من الفترات، لكن هذا لا يعني بأنني أسير اليوم على نهجه.
لقد تأثرت لاحقا بأدباء أمريكا اللاتينية، وبالواقعية السحرية التي يرتكز عليها أدبهم القصصي والروائي، مع هذا ما زلتُ أؤمن بأن الفن للحياة، وليس الفن من أجل الفن.
تسردين جل قصصك و رواياتك بضمير المتكلّم. هل هذا الضمير حسب رأيك هو الضمير الأكثر قدرة على إيصال أفكارك؟ هل تسكنين له لأنه ضمير البوح ؟
لم أتعمّد استخدم ضمير المتكلّم، كمنبر للبوح الداخلي في قصصي ورواياتي. لاحظ أن التحدّث بضمير المتكلّم، أصبح التوجه الجديد في كتابة الرواية الحديثة لدى الكثير من الأدباء، وتقلّصت لغة السرد على لسان الحاكي أو الراوي في الأدب العالمي اليوم. كما أنني أرى بأن كتابة الرواية أو القصة بضمير المتكلم، تجعل القارئ أكثر تفاعلا مع أحداث الرواية، والتعايش مع أبطالها، والاستماع لهمومهم، والتوغّل في أعماقهم، حتّى يخال قارئها أن هناك من يحكي له عن مكنونات قلبه دون حياء أو تردد
فكرت يوما ما في كتابة سيرتك الذاتية . و وقفت تنتقدين الكتابات السيرية للنساء و لكنك تراجعت عن نشر هذه السيرة . هل مازال سقف التحرر و الجرأة التي تتحرك فيها زينب حفني لا يسمح بنشر السيرة الذاتية ؟ ثم كيف ترين الكتابة ممكنة في جنس السيرة الذاتية الذي فشل الرجال في خوض مغامرته؟
أرسل لي قارئ رسالة، بعد أن غمزت في واحدة من مقالاتي أنني أنوي نشر سيرتي الذاتية، أجابني.. ما الجدوى من كتابة سيرتك الذاتية؟! سترحلين كما رحل غيرك!! والحقيقة أن تعليقه استوقفني وسألتُ نفسي.. هل هناك بالفعل جدوى من كتابة سيرتي الذاتية؟! عدتُ وحاصرتُ نفسي بسؤال صريح.. هل أنا قادرة على خوض مغامرة كتابتها، بكل تفاصيلها الدقيقة، وغرفها المغلقة، وأنّاتها الصامتة؟! وهل من الممكن أن انجح في هذا الجنس الأدبي الذي عجز عن خوضه عتاولة الرجال في عالمنا العربي؟! أعترف لك أنني بالفعل وقفت حائرة في وضع إجابة دقيقة!! هذا يعني أنني سأفتح النار على نفسي من كافة الجبهات، وسينهمر علي وابل من الرصاص، دون أدنى رحمة أو شفقة. أنا لم أصل بعد لهذه المرحلة من الشجاعة، ولا أعتقد أن مجتمعنا مؤهلا لغفران هذا النوع من الأدب.
إن مساحة الحرية الفكرية التي كانت موجودة في عصور الإسلام الزاهية، كانت تُجيز طرق هذا الجنس الأدبي، واضرب مثلا بالشاعر أبو نواس، الذي تاب أواخر أيامه وترك لنا أشعار جميلة في الصوفية، إلا أن التاريخ لا يذكره إلا بأشعاره التي يتغنّى فيها بحبه للغلمان. وينطبق هذا على الأديب محمد شكري، الذي سطّر الكثير من الإبداعات، لكن ظلّت سيرته الذاتية “الخبز الحافي” لصيقة به إلى اليوم.
إنها ليست قضية جرأة والسلام، إنها قضية مجتمعات تعودت أن ترسم خطوط هلامية على أرصفة طرقاتها في وجه كل من يُحاول الخروج عن نهجها.
تصدّرين رواية ” ملامح” بنص من سيرة ذاتية عالمية هل تفعلين ذلك من قبيل التمني أو للإيهام بواقعية الرواية كفعل اعتراف؟
أنا لم أبدأ الرواية بنص من سيرة ذاتية، رغبة مني في إيهام المتلقي بواقعيتها، ولكنّي وضعته متعمدة لأرسل رسالة ضمنية للقارئ، أن الإنسان يظل يحمل إنسانيته في دواخله مهما تخبّط داخل ضعفه الإنساني، وأنه كذلك مُكبّل بسقطاته كما هو محكوم بآدميته.
روايتي تقول من خلال شخوصها، أن هذه النماذج موجودة في مجتمعاتنا العربي، داخل بيوتنا، وبين سياسيينا ومثقفينا. أردت القول بأن البهرجة الاجتماعية وتلميع الوجوه باسم العفة والفضيلة، ما هي إلا مساحيق رخيصة الثمن، سرعان ما تقشعها أول ريح ماطرة!!.
ل تسرّبت سيرتك إلى أعمالك الإبداعية ؟ و هل يمكن للكاتب أن يتخلّص من سيرته نهائيا و هو يكتب إبداعه ؟
سؤالك فيه “خباثة”. الإنسان ابن بيئته، فأنا لا أستطيع أن أكتب عن بلاد الواق الواق مثلا. أنا أتفاعل مع ما يجري على أرض مجتمعي بتجسيده على الورق في قصة أو رواية. أرى أن من الصعب على المبدع التخلّص بسهولة من اسر سيرته الذاتية في بداياته، كما أن الأديب لا يمكن أن ينفصل عن ذاته وهو يكتب، لا بد أن تجد سطرا هنا، أو عبارة هناك، أو فصلا كاملا، يُعبّر عن نهجه، أو موقفه، من الأشياء والناس بل ومن الحياة نفسها.
ما رأيك في من يقول أن زينب حفني تعيد تجربة نوال السعداوي بأسلوب آخر أو في نسخة خليجية؟
سُئلت هذا السؤال مرات عديدة، في حوارات صحفية، ومقابلات تلفزيونية، وسأكرر ما قلته بأن نوال السعداوي تعتبر رائدة في حركة تحرير المرأة، ولها كتب قيمة منها كتابها “المرأة والصراع النفسي” الذي تُلقي فيه الضوء على معاناة النساء أثناء عملها كطبيبة نفسية، وكذلك كتابها “المرأة والجنس”، لكن هذا لا يعني بأنني أؤيدها تأييدا كاملا، فهناك العديد من أفكارها الدينية أجد فيها شطط، وهو ما ذكرته في عدد من مقالاتي.
مع هذا أنا لا أريد أن أقلّد الجاحدين، في طمس خطى من سبقونا، وتجاهل إنجازاتهم. أنا لم أصل إلى ما وصلتُ إليه عشوائيّا، لقد تبعتُ خطوات من سبقوني، وبلا شك سيأتي من سيتبع خطوات جيلي، وتكملة فصول النضال، وتثبيت الأطروحات التي آمنّا بها.
هل على الكاتب أن يكون مناضلا أم عليه أن يكون من أجل فنه هامشيا و متمرّدا ؟ و هل يقتل الالتزام الإبداع ؟ ألا تصنع المجتمعات من الفنان رمزا فتلهيه أحيانا عن فنّه ؟ ما الذي يسعد زينب أن يقال عنها أنها تناضل من اجل المرأة أم إنها روائية ؟
مرة أخرى استوقفني سؤالك!! أنت تمتلك القدرة على استفزاز أفكاري ودفعها نحو السطح. نعم أرى بأن الالتزام يقتل الإبداع، أجمل شيء أن يعيش الأديب حرّا طليقا لا يتبع أحد، ولا يُجامل أحد، ولا يُصفق لكي ينال إعجاب الأفاقين!!.
أريد أن أكون صادقة معك، أحيانا أحب أن يُقال عني بأنني أناضل من أجل المرأة، كون المرأة في مجتمعي ما زال أمامهاالكثير من المعوقات الاجتماعية، وأن واجبي يحتم علي النضال من أجل الأجيال القادمة من النساء. وأحيانا أخرى أحب أن يُقال عني روائية متمردة، تمسك بمشرط حاد لتُشرّح مجتمعها وتنتـزع عيوبه، وتُعلن فسوقه على الملأ.
أنا كامرأة لا أستطيع أن أفصل ذاتي المناضلة من أجل نزع حقوق المرأة في بلادي، عن زينب الأديبة التي تعشق فنها، وتحب العيش داخل دائرة إبداعها، لتُسطّر خلجاتها، ورؤاها الحياتية.
سأكون صريحة معك، أنا لم ولن أتطلع للحصول على أي مناصب قيادية ثقافية أو حقوقية داخل مجتمعي، خوفا من أن يدفع قلمي الحر يوما ثمنا باهظا لهذه المكانة. أريد أن أظل محلقة في سماءات إبداعاتي، مثل طيور النورس التي يسمع الناس أصواتها فتنتشي خلجاتهم.
هل أصبح هتك المحرم و كتابة التابو السبيل لشهرة الكاتب العربي ؟
بلا شك أن الاقتراب من الثالوث المتمثّل في الجنس والدين والسياسة، يُعتبر من المحرمات في مجتمعاتنا العربية، والاقتراب منها يُعجّل بولوج الكاتب إلى عالم الشهرة، كون الممنوع مرغوب كما يُقال، لكن المهم في كل هذا، أن تكون نية الكاتب إصلاح أعطاب مجتمعه وليس لفت الأنظار إليه، لحظتها أهلا وسهلا باختراق هذا التابو.
لا أخفيك، أنا قلقة على الوضع الثقافي في مجتمعي، فهناك هجمة مسعورة من الجيل الجديد على اقتحام عالم الرواية، دون أن يملك أغلبيته الأدوات الفنية والرؤية الحياتية للحياة والناس والأشياء، وما يُشعرني أكثر احتفاء الأوساط الثقافية بها، مما يدل على أن هناك فهم خاطئ وحقيقي لمفهوم الرواية، وهذا يعود إلى أن المجتمع السعودي ما زال في مرحلة التحديث الفكري واجتماعي. هذا الخلط سيؤدي إلى خلق بنية ثقافية غير سوية مستقبلا.
هل تشعر زينب حفني أنها منبوذة في مجتمعها الذكوري؟
كتبت نصا طريفا بعنوان ” موقعي..من الإعراب ” أين ترين موقعك من المشهد الروائي العربي اليوم ؟
نعم.. أنا لم أنل حقي من التقدير داخل مجتمعي، وإلى اليوم يتم تجاهلي في الأوساط الثقافية، ولا يُشار إلى إسمي في الداخل بالرغم من أنني أعتبر من الرائدات، ومتواجدة في الساحة الثقافية ما يقرب من عشرين عاما، مع هذا أومن بان الكاتب يجب أن يدفع ثمن مواقفه النبيلة. أنت تدرك بأن من الصعب أن تصفع العقول المتحجرة وتطلب منها أن تُصفق لك امتنانا، لا بد أن تجد فيهم من يُطالب بكتم صوتك، وكسر قلمك، وحشرك في مؤخرة الصفوف. مع كل هذا أنا جدا سعيدة بما حققته على مستوى الشارع العربي، وقد أصبح لي موقعا جيدا في الساحة الثقافية العربية، لأن عروبتي تظل هي شغلي الشاغل، وهاجسي الأكبر.
•••