مابين “بلطجة” الفكر و “الفهلوة”!!
مابين “بلطجة” الفكر و “الفهلوة”!!
الأحد 29/01/2012
في العام الماضي كنتُ قد كتبت مقالا يحمل عنوان (قص ولصق) أتضامن فيه مع الكاتبة سلوى العضيدان في قضيتها التي رفعتها ضد الداعية عائض القرني، بسبب سطوه على كتابها “هكذا هزموا اليأس” وقيامه بوضع محتواه في كتابه “لا تيأس”، دون أن يُشير في الحواشي إلى المصدر الرئيسي الذي استقى منه معلوماته.
بعد أشهر طويلة من الكر والفر بين الكاتبة والداعية، قررت لجنة حقوق المؤلف التابعة لوزارة الإعلام السعوديّة تغريم عائض القرني مبلغ 330 ألف ريال سعودي تذهب كتعويض للمؤلفة إضافة إلى سحب كتابه من الأسواق ووقف طباعته. وهو بالطبع حكم عادل يجعلنا ننظر إليه بكل تقدير كونه يُعزز احترام نتاج الآخرين، ومن جانب ثان يتجاوز النظرة الرائجة في مجتمعاتنا العربية بقدسية المشايخ وأنهم شريحة ملائكيّة لا ترتكب الأخطاء البشريّة!!
الاعتراف بالحق فضيلة كما نقول في ثقافتنا الدينية، لكن الداعية القرني رفض أن يقرّ بخطئه في حق امرأة!! وتمسّك برأيه في أنه لم يقترف جرما، مبررا فعلته بالقول أن أهل العلم والمعرفة والأدب على مدار التاريخ الإسلامي اقتبس بعضهم من بعض، ضاربا المثل بالفقيه ابن تيمية وأنه كان من أوائل الفقهاء الذين أخذوا من غيرهم!!
لم يكتفِ القرني بما فعله بل حاول تشويه صورة علماء كبار ليدعم تبريره!! كأنه يريد أن يقول بأن أغلبية علماءنا “حراميّه”، وأن تراثنا الإسلامي قائم على السطو والسرقة!! وهذه في رأيي زلّة أخرى، كوننا جميعا نعلم بأن عصارة الفكر الإنساني لم تُولد من العدم وإنما كل مفكّر يحمل لواء من سبقوه ويُكمل مسيرتهم دون أن يُنسب البطولات كلها لنفسه!!
للأسف لقد وجدت هذه التبريرات الواهية للداعية القرني، آذانا صاغية عند بعض الكتّاب السطحيين!! وقد قرأتُ مقالا تافها لكاتب يُدافع باستماتة عن تصرّف القرني، مترحما على الأيام الخوالي حين كانت حقوق المؤلف منسيّة ونزعة الامتلاك هامشيّة والمعرفة مُشاعة، ناعتا موقف سلوى العضيدان بالأنانية وحب الذات، وأنه كان يكفيها شرفا أن اسمها بات مقترنا بشيخ في قامة القرني!! ولا أعرف حقيقة هل موقف هذا الكاتب من العضيدان ينبع من كونها امرأة ناقصة عقل ودين كما هو رائج في أغلبية مجتمعاتنا العربية، أم لأنها امرأة قليلة الحيلة وبالتالي لا يُمكنها مواجهة رجل في قامة القرني الفكريّة والاجتماعيّة؟!
في عالم اليوم صار من السهل استخراج أي معلومة عبر شبكة الإنترنت من خلال محرّك البحث (جوجل) وبالتالي نهبها بسهولة!! لكنها من جانب آخر ساهمت إلى حد كبير في فضح السارقين الذين يقومون بالسطو على نتاج الغير وهم جالسون على أرائكهم المريحة، غير عابئين بأن هذه الأفكار أخذت من أصحابها جهدا ووقتا كبيرين حتّى أخرجوها إلى النور.
من المعروف أن الجامعات العريقة اليوم في أوروبا وأمريكا نتيجة تفشّي سرقة الرسائل الجامعية والبحوث العلمية، تضع قوانين صارمة للطالب الذي يسطو على فكر غيره دون أن ينوّه عن مصدره الرئيسي وتقوم بطرده ومنعه نهائيّا من الدراسة فيها، وهذا يعني القضاء نهائيّا على مستقبله المهني، في الوقت الذي يعلم الجميع بأن هناك من يحمل في مجتمعاتنا العربية شهادات دكتوراه مسروقة ويحتلُّ مراكز مرموقة داخل مؤسساتنا التعليميّة!!
كنتُ قد طالبت من قبل بوجوب احترام حقوق الملكية الفكرية، وأن يكون هناك تعويض مادي كبير وجزاء رادع لكل من تسوّل له نفسه نهب فكر غيره، خاصة مع رواج ظاهرة السرقات الأدبية والفكرية، على الأقل حتّى نحمي الأجيال الجديدة من تبعات هذا الفكر المزيّف.