مرحبا ًبنسائم الحريّة
مرحبا ًبنسائم الحريّة
الأحد 26/05/2012
الأربعاء 23 مايو، سيظلُّ يوماً تاريخيّاً في ذاكرة الشعب المصري، كون الملايين في أول انتخابات نزيهة، توجهوا بمحض إرادتهم نحو صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيسهم القادم. مشهد مضيء لم نألفه في أوطاننا العربية. فقد ظلّ الرئيس العربي على مدى عقود، البطل الأوحد في كل الأفلام المعروضة بدور السينما!! وبقي الشخصيّة المحوريّة، صانعة المعجزات وفاعلة الخوارق في قصص الأطفال ومناهج التاريخ! وظلّ كذلك هو النموذج الإنساني الفريد، الذي يجب على الجميع تقديس نظامه السياسي، وسلوكه النقي الذي لا تشوبه شائبة!
شاهدتُ على شاشة التلفاز، شاباً مصرياً في أوائل الثلاثينيات يقول فرحاً: “هذه أول مرّة أنتخب فيها رئيساً في حياتي. لقد كبرتُ على صورة واحدة، ظلّت ملامحها ثابتة أمام ناظريّ! أجدها معلّقة على الجدران بكافة دوائرنا الحكوميّة وفي مداخل مؤسساتنا التعليميّة. أنا سعيد لأنني عشتُ هذه اللحظة، وأن أطفالي يُشاركوني روعتها”. بالتأكيد الجيل المصري الصاعد على الرغم من الأحداث الدامية التي شهدتها بلاده منذ اندلاع الثورة، إلا أنها أدّت إلى تحرير الحرية من أغلالها الثقيلة وإلى عتقها من سجنها الطويل، وخرجت تتبختر أمام الملأ داعية محبيها إلى معانقتها بشغف وحب، والقسم بجديّة على عدم التخلّي عنها بعد اليوم.
صحيح أن الفقر استعباد ومذلة! ولكن الذي يجلب التعاسة، هو مصادرة حق الإنسان في التعبير عن رأيه بصراحة وشفافيّة مطلقة! هذا الحق الذي لا يستطيع الإنسان تلمّسه على أرض الواقع، إذا لم يتذوّق طعم الحرية. الحرية هي التي تجعلك تقول لا للظلم والاستبداد! الحرية هي التي تُعطيك الحق في أن تعترض على أوساخ الفساد عندما تتراكم عند باب بيتك! الحرية هي التي تمنحك الحق في أن تقول لحاكم جائر جثم على أنفاسك سنوات طويلة، ارحل، لا داعي لبقائك، من حقّي أن أنتخب رئيساً غيرك يضمن حياة كريمة لي ولأبنائي من بعدي. الحرية هي التي تُمنحك القدرة على أن تُجاهر بمطالبك، دون أن يتسلل رجال غلاظ إلى بيتك ويأخذونك إلى جهة غير معلومة لتأديبك وإعادتك لصوابك!
يوم قامت الثورات العربية تباعاً، حبس العالم أجمع أنفاسه وتساءل.. هل من الممكن أن تنجح الثورات العربية بعد أن ألفت مجتمعاتها حياة العبوديّة عقوداً طويلة؟! هل من الممكن أن تبدأ مسيرة الإصلاح من جديد، بعد أن تعوّد الناس فتح عيونهم مطلع كل صباح على عبارة واحدة تهمس في آذانهم.. أنا راعيكم الأوحد؟!
مشاهد الثورات التي عمّت عدداً من الدول العربية، تؤكد على أن الشباب الصاعد لم يعد يأبه بالطرق الوعرة، ولم يعد يتوجّس من تلقّي ضربات قاتلة في الظلام! مقرراً شحذ همّته لتمزيق الصور القديمة التي اعتاد آباؤهم على رؤيتها عقوداً طويلة.
إنّ الغرب الذي مرّ بعقود من التخلّف الفكري والتعصّب العرقي والديني، وسالت حينها أنهار من الدماء على أرضه، لم يصل بين يوم وليلة إلى هذه المرحلة المضيئة من تحضّره السياسي والفكري والاجتماعي! هذا الغرب الذي تتمسّك حكوماته بالديمقراطية، من خلال احترام التعدديّة السياسيّة، وتطبيق العدالة الاجتماعيّة بين أفراد شعبه، وتفادى عوامل الفساد في مجتمعه، جعلنا نقف منبهرين بنجاحاته الساحقة، متمنين أن نُتقن قواعد اللعبة في أوطاننا العربية.
الحرية لها أثمان باهظة، تستلزم منّا تضحيات كبرى من أجل حفظ كرامة الأجيال الصاعدة. أجيال تستوجب منّا أن نُعلّمها كيف تنطق مخارج حروف الحرية دون أن ترتجف شفاهها. أجيال تدفعنا أن نُفكّر ألف مرّة قبل أن نرميها في العراء لتتقاذفها الرياح العاتية ونُقفل عائدين لبيوتنا كأن شيئاً لم يكن.