أشباح الخوف
أشباح الخوف
الأحد 19/05/2012
هل يُولد الخوف مع انطلاق صرختنا الأولى، لحظة خروجنا من بطون أمهاتنا، أم أن الخوف كما يرى أحد الفلاسفة لا يُخلق معنا بل نتعلّمه على مدار حياتنا؟! لماذا نخاف؟! ما الذي يجعل “بُعبع” الخوف يتحرك في أحشائنا؟! هل الخوف من زوال نعمة الصحة والاضطرار إلى تحمّل أوجاع المرض؟! هل الخوف من أفول الشباب والانحسار نحو دنيا الشيخوخة الباردة؟! هل الخوف على الوظيفة المرموقة، من أن يأتي أحدهم على غفلة ويسحب البساط فجأة من تحت الأقدام؟! هل الخوف على الثروات من الضياع، تجعل أصحابها يحيون حذرين من زوالها؟! هل كل هذه التهيؤات إذا ما داهمت نفوسنا، تُوقعنا دون أن ندري في هوة الخوف، وتُبقينا يقظين على سرائرنا طوال الليل داخل حجراتنا المظلمة، نُبحلق في سقوفها ونُراقب أبوابنا الموصدة؟!
الخوف بلا شك متورّط في سقطات كثيرة، وبصماته واضحة على البشريّة منذ نشأتها. الخوف يسلب المرء طمأنينة نفسه وراحة باله، ويدفعه إلى أن يظلّ قابعاً في مكانه، رافضاً تغيير حاله! الخوف هو المارد الخفي الذي يُهددنا بالخروج من قمقمه وتدمير الأرض بمن عليها، إذا ما شمّ رائحة التمرّد تفوح من مسامات أجسادنا. الخوف هو المتهم الأول في نشر الظلم والاستبداد، كونه حرّض الشعوب المقهورة على تحمّل حكّامها الجائرين سنوات طويلة.
يقول “فريدريش نيتشه)… “الخوف أبو الأخلاق”. هل كان يعني نيتشه بعبارته أنّ الخوف كما له جوانب سلبيّة في حياتنا، له أيضاً جوانب إيجابيّة؟! بالتأكيد الخوف من الله، يجعلنا نُحاول الابتعاد قدر المستطاع عن كل ما يُغضبه. الخوف على أحبائنا، يدفعنا إلى أن نحرص على أن لا نجرحهم ولا نتسبب في حدوث آلام نفسية لهم. الخوف على ما حققناه من إنجازات مميزة في حياتنا، يجعلنا نحرص على تقديم الأفضل حتى نُحافظ على مواقعنا. الخوف على نقاوة أرواحنا، يحثنا على أن لا ندوس في طريقنا بكل القيم الإنسانيّة، من خلال رفع شعار الغاية تُبرر الوسيلة.
أتذكّر حكاية قديمة قرأتها في مذكرات طبيبة نفسيّة. أن امرأة جاءتها تطلب منها أن تُساعدها للخروج من أزمتها. قصّة هذه المرأة تكمن في أن فكرة الانتحار غدت تُسيطر عليها منذ وفاة والدتها. سألتها الطبيبة عن طبيعة علاقتها بها! قصّت عليها أن والدها توفي وهي صغيرة. كانت أمها تتولّى كافة شؤونها. لم تدعها تفكر في أي شيء يخصها. سخّرت حياتها لابنتها منذ اللحظة التي تستيقظ فيها من النوم إلى اللحظة التي تخلد فيها لفراشها. أحاطت ابنتها بسياج خوفها القاتل عليها، بحجّة حمايتها من ذئاب الطريق. لم تفسح أمامها الطريق لكي تتعرّف على شاب من سنّها وتنشئ معه أسرة صغيرة. عجزت الفتاة عن إقامة علاقة ناجحة مع الجنس الآخر. عندما توفيت والدتها كانت الفتاة قد بلغت الخامسة والثلاثين، لم تستطع مواجهة العالم بمفردها وفشلت في التأقلم مع المجتمع من حولها.
هذا الخوف الزائد على الأبناء، قد يحوّلهم إلى مجموعة من قطعان الغنم، بحاجة إلى راعٍ يقودها نحو المراعي الخصبة، فإذا ما فقدت راعيها هامت في البراري القاحلة، إلى أن تموت عطشاً أو تُقتل على يد صيّاد محترف مهمته صيد القطعان وسلخ جلدها وبيع لحمها!
الخوف قد يكون شبحاً مخيفاً يدفعنا إلى حافة الجنون، إذا ما تركنا له الحبل على الغارب ليعبث بأنفسنا كما يحلو له!! لكن الخوف أيضاً قد يوقظنا من نومنا، يُنبهنا أن نبحث عن ضوء شمعة تُنير الظلمة من حولنا.