النهايات يصنعها أصحابها
النهايات يصنعها أصحابها
الأحد 17/4/2011
كل البشر الأسوياء بلا استثناء يحلمون في صغرهم ماذا يُريدون أن يكونوا في المستقبل. تسأل طفلك بحنو: ماذا ترغب أن تكون عندما تكبر؟! يُجيبك بنبرة بريئة لم تلوثها بعد تقلبات الأيام. أريد أن أصبح طبيباً أو مهندساً أو أستاذاً جامعيّاً أو عالم ذرّة أو قائداً بارزاً أو حتّى رئيس دولة.
لا أحد منّا في طفولته يكون خبيث النيّة تجاه أحلامه. جميعنا نتولّه عشقاً بها ونحرص كل ليلة أن نضمها بحنو إلى صدورنا، ونهمس في أذنيها عن كل ما يدور بخلدنا. أحلامنا مثل طائرة الورق التي نصنعها بفرح بأيدينا ونلفُّ خيوطها بإحكام بين أصابعنا ثمَّ نُطلقها في الفضاء ونُمتّع أنظارنا برؤيتها، وهي تتمايل في الهواء تُلاحقها ضحكاتنا الصافية.
لكن ليس كل حلم يقود صاحبه إلى جنّة النعيم! كما ليس كل حلم يُلقي بصاحبه إلى قاع الجحيم. فكم منّا دفعته طموحاته الجشعة بعيداً عن حلمه السامي، ونسي مع مرور الزمن ملامحه الجميلة وقام بوأده حيّاً دون أن يعبأ بأنفاسه المحتضرة، وانحرف عن الطريق السوي وصار في كبره لصاً أو متشرداً أو نصّاباً عالميّاً أو قائداً مستبّداً! وكم منّا تمسّك بمبادئه ولم يستسلم لمغريات حلمه حين رآه متجسداً على أرض الواقع، من دون أن يفقد إنسانيته ليُصبح ربما أغنى رجل في العالم أو أنزه سياسي أو أشهر لاعب كرة على أرض الملاعب.
أؤمن بأن الأحلام مثل “تُسونامي” القاتلة، قد يتفاجأ المرء بقوة اندفاعها، ولا يملك القدرة على وقف بطشها أو كبح جموحها! نعم أحلامنا بحاجة إلى أن نروضها ونُحيطها بسياج شائك طوال الوقت حتّى لا تخرج عن طوعنا وتُعيث فساداً في الأرض من دون أن تجد من يردعها، غير عابئة بالقيم الإنسانية النبيلة المتمثلة في العدل والمساواة والحرية والخير والوفاء.
هل الأحلام عندما تتحقق، تُصبح شاطئ أمان لصاحبها، أم أن هناك أحلاماً تؤدّي إلى هلاكه؟! يُقال بأن العظماء لا يُولدون عظماء ولكن شاء قدرهم أن يُصبحوا عظماء من خلال نكرانهم لذاتهم، ومن أجل بطولاتهم الخارقة وتفانيهم في سبيل عزّة أوطانهم. ولهذا لم يعد الأمر ينتهي بأن يُصيح المرء بملء صوته… أخيراً نلتُ مرادي وحققتُ حلمي. الأمر مرهون بكيفية تعامل المرء مع حلمه الذي وثق به وأوصله إلى أعلى القمم.
كم من حكّام وملوك ورؤساء استكانوا لأحلامهم وظنّوا أنهم ملكوا شعوبهم فجاءت نهاياتهم مأساوية بامتياز، وكتب التاريخ سيرهم بأحرف قاتمة السواد! وكلما زرتُ متحفاً أو موقعاً أثرياً وقرأت المكتوب على لوحاته، وما كان عليه أصحابه من عز ومكانة عالية، أردد… كم هو مؤسف أن يترك الإنسان خلفه سيرة مخجلة!
من كان يُصدّق أن حياة صدام حسين ونجليه ستنتهي بهذه الطريقة المذلة؟! من كان يظنُّ أن مبارك سيخضع للمساءلة، وأن ابنيه علاء وجمال سيوضعان في السجن لإجراء تحقيقات معهما؟! قلتُ لنفسي… نهاية مأساوية لقائد استهان بحقوق شعبه. ونهاية تعيسة لشابين كانا بالأمس يُشيران بيديهما إلى ما يُريدان ويُقال لهما سمعاً وطاعة!
لماذا لا يتعّظ الحكام والرؤساء والقادة من نهايات الذين سبقوهم؟! لماذا دوماً الجلوس على القمم يحيل العيون عن النظر إلى السفوح؟! لماذا دوماً ينسى الرؤساء أنهم كانوا يوماً يملكون أحلاماً نزيهة وأن القدر حققها لهم ووضعها أمامهم على أطباق من ذهب؟! لماذا يرفضون أخذ العبر من أسلافهم؟!
تعالوا… لنتعاهد مع أحلامنا أن لا نخذلها وأن لا نُعطيها ظهرنا حين تثق في ذممنا وتضع الدنيا بأكملها بين أيدينا.