سفراء النوايا الحسنة!!
سفراء النوايا الحسنة!!
الأحد 21/2/2010
قرأتُ تقريراً جميلًا عن سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة الفنانة الشابة “أنجلينا جولي” بأنها أنفقت من ثروتها ما يُقارب العشرين مليون دولار على زياراتها الميدانية للأماكن المنكوبة في العالم، التي أهلكتها الحروب والمجاعات والأوبئة الخطيرة.
كانت الصور المرفقة تُعبّر بصدق عن مواقف هذه الفنانة، في تسخير شهرتها الفنيّة ومالها لإضفاء السعادة على وجوه أطفال ونساء وعجائز يعيشون في ظروف معيشيّة قاسية وحُرموا من أبسط متطلبات الحياة.
من المعروف أن أدوار سفراء منظمة اليونيسيف تصبُّ بالمساهمة في نشر السلام وتحقيق التنمية وتقديم خدمات جليلة للإنسانيّة. وهي المهام التي حرص على الالتزام بها الكثير من فناني العالم لقناعاتهم الذاتيّة بها.
ماذا عن فناني العالم العربي! هل بالفعل ينظرون لهذا المنصب الفخري على أنه وظيفة سامية لخدمة الإنسانيّة، أم يتعاملون معه كنوع من الدعاية لأنفسهم؟! وهذا التساؤل لم يأتِ من فراغ!! فكلما وقعت عينيَّ على صورة أحد الفنانين العرب وهو يقف مبتسما أمام كاميرات المصورين فور حصوله على لقب سفير النوايا الحسنة، أتساءل وماذا بعد؟
للأسف لم أسمع عن أحد من سفراء النوايا العرب من الفنانين، فكّر في زيارة المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية في العالم العربي، أو خاطر بحياته في السفر إلى هناك والترفيه عن الأسر المنكوبة! ولم اسمع عن فنان عربي تبرع بجزء من ماله لمساعدة الفقراء والمحتاجين، أو قام بمساندة المنكوبين في بلاده.
قد يقول البعض:هل تُريدين أن تُقارني المبالغ المالية الضخمة التي يحصل عليها فنانو العالم من عائدات أعمالهم بفناني العالم العربي؟! وهذا في رأيي تبرير غير منطقي، كون العطاء الحقيقي لا يعرف حدوداً ولا يلتزم بجنسية، ولأن هناك فئة من الفنانين تعيش في بحبوحة من العيش، لكنها لا تعبأ بما يجري حولها من مصائب!
مشكلتنا أننا تعودنا في عالمنا العربي على أن نتعامل مع كل ما يحمل ريحاً غربيّاً بعقدة الخواجا! بمعنى أن الدخول إلى ساحة الإعلام الغربي هو أمل يُضمره أغلبية الفنانين، وإنْ كان بعضهم ينكر هذا في العلن! ولذا نجدهم يلهثون سرّاً لانتزاع هذا اللقب لتعزيز مكانتهم الفنية السامقة وللترويج لفنهم!
في زلزال هاييتي الأخير، نهض رجال أعمال وفنانون وقطاعات خاصة في الغرب إلى نجدة أهالي الجزيرة المنكوبة، ولم يكن جلَّ همهم الوقوف مبتسمين أمام كاميرات التلفاز، أو إرسال رسائل شفهية لمواساة الأسر المفقودة! كانت مواقفهم الإنسانية جميلة وفعّالة تنبع من نيّات صافية.
سفراء النوايا الحسنة العرب بإمكانهم تقديم الكثير. في حث القطاعات الخاصة على تقديم معونات للفقراء والمعدمين في بلدانهم. بإمكان سفراء النوايا الحسنة قطع جزء من عوائدهم المالية لمساعدة ضحايا الكوارث، كتلك التي جرت في جدة وفي أسوان وسيناء نتيجة موجة السيول التي عمّت هذه المناطق مؤخرا، وتعرّض بيوتها للانهيار وتشّرد أصحابها.
المثير للدهشة والاستغراب أن ديننا يحثُّ على البذل والعطاء، ولكن يظهر بأن هذه الثقافة التي تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من تعاليم ديننا، أخذت تتقلّص في مجتمعاتنا لتتسلل بخفّة إلى المجتمعات الغربية وتُصبح في صميم ثقافتهم الحياتيّة!
حلم الفنان أن يُصبح سفير النوايا الحسنة ليس عيباً، لكن يجب أن لا يُصبح هدفاً في حد ذاته وورقة عبور إلى عالميّة وهمية! وعلى الفنان العربي أن يؤمن بأن هذا المنصب الفخري يعني المزيد من المسؤوليات الملقاة على عاتقه في تبديد هموم مجتمعه.