امسك… إعلام !
امسك… إعلام !
الأحد 14/11/2010
سُئلتُ في واحدة من حواراتي الصحفيّة، عن رؤيتي المستقبليّة للحريّة الإعلاميّة في عالمنا العربي، وأين يكمن النقص إنْ وُجد؟! أجبتُ بأنني متشائمة، لأنه كلما زاد وعي المواطن العربي بحقوقه، وفُتحت أمامه أبواب المعرفة على مصراعيها، ازدادت حكوماته شراسة، وصارت أضراسها أكثر ضراوة، وتقلّصت رقعة حرية الرأي والتعبير داخل أوطانه!
قلتُ بأن هناك أدلة كثيرة تُثبت صحة كلامي، ففي بلداننا العربية هناك كُتّاب كثيرون يتسمون بالنزاهة والشرف تمَّ قصف أقلامهم وإبعادهم عن الساحة الإعلاميّة بمؤامرات دنيئة، والسبب فشل أنظمتهم في شراء ذممهم واستمالتهم لصفها! وهناك برامج حواريّة جريئة تمَّ إيقافها بأعذار واهية، والسبب الخفي إصرار محاوريها على مناقشة قضايا جريئة وحسّاسة تهم الرأي العام، وتتعمّد الحكومات التكتم عليها لتتمادى في غيّها! وهناك مثقفون على اختلاف تخصصاتهم وتوجهاتهم الفكريّة والسياسيّة تمَّ تلفيق تهم باطلة بهم وألقوا في غياهب السجون بسبب مواقفهم الوطنية الناصعة! وهو ما جعلني أقول بملء صوتي. درب الإعلام النزيه المترفّع عن المصالح الذاتيّة غدا محفوفاً بالمخاطر والأهوال!
أغلبية الحكومات العربية تُردد، أن المواطن العربي ليس مؤهلًا لاستيعاب جرعة مُفرطة من الحريات العامة! وأن تعرية الحقائق وفضح السلبيات أمامه، سيؤدي إلى وقوع فوضى عارمة وإلى استشراء العنف، مما سينعكس سلباً على الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي داخل بلاده! وهو قول جائر يُراد به باطل! كون الإعلام الحقيقي مهمته الأساسيّة توعية الرأي العام، وتوضيح الحقائق كاملة أمام المواطنين وليس لحماية المفسدين. ولم ينشأ الإعلام ليكون العين الساهرة على راحة المسؤولين وتدليلهم والتغاضي عن أخطائهم التي تستفحل يوماً بعد يوم! بل ينصب دوره في حماية الناس من عبث العابثين، وفي ملاحقة المفسدين، وفي تصيّد أخطاء من لم يمنعهم وازع الضمير لحماية أوطانهم أو سعيهم بجد وإخلاص لتوفير الاستقرار والعدالة والنزاهة في أرضهم.
الإعلام بمختلف فروعه، يُعتبر “السلطة الرابعة” في أي مجتمع متحضّر، ولكن في عالمنا العربي الإعلام “خادم” للسلطة، رهن إشارتها، يُردد أمامها طوال الوقت عبارة “شبّيكِ لبيّكِ. أنا عبدكِ بين يديكِ!”. وغدا الإعلام أداة طيّعة في ترويج سياسات الحكومات، ومحامي الدفاع عن كافة مسؤوليها!
لقد وصل الأمر ببعض الحكومات العربية إلى منع المرشحين في الانتخابات البرلمانيّة من الظهور على شاشة التلفاز، وهو أمر يثير الضحك المقزز! ففي البلدان المتحضّرة يظهر المتنافسون في كافة القنوات الإعلاميّة لتوضيح برنامجهم الإصلاحي، وتسهيل الطرق أمامهم لإقامة مناظرات شفافة تصب في مصلحة المواطن أولًا وأخيراً.
يظهر بأن هناك ضباباً يزداد كثافة وقتامة في سماءات بلداننا العربية، جعلته يحجب عن الشعوب الكثير من الرؤى والوقائع الحاصلة على أرض الواقع! وبات هناك خطر يربض خلف الأكمة، وبراكين جاهزة للانفجار في أي لحظة، إذا لم تتراجع الحكومات العربية عن سياساتها وترفع أيديها عن إعلامها وتمنحه الحرية لقول ما يشاء في أجواء ديمقراطية.
الإعلام الحر واجهة حقيقيّة لأي مجتمع متحضّر، والتحضّر يعني أن تسير المجتمعات في طريق الحرية والعدالة والمساواة بخطوات ثابتة، لكن إعلامنا يسير مُرغماً في الاتجاه المعاكس أمام العالم دون أن تتخضّب وجنتاه خجلاً من أفعاله المريبة!
لقد تجرعت الشعوب العربية مرارة العلقم عقوداً طويلة إلى أن تعودت على طعمه، وكل ما أخشاه أن لا تقوى الأجيال الجديدة على تحمّل ما تحملناه، وهي بطبعها قليلة الصبر، فتهدَّ المعبد على الجميع غير آبهة بمصيرها المأساوي!