الفن… السلاح الفتّاك!
الفن… السلاح الفتّاك!
الأحد 25/4/2010
لماذا لم تنجح قناة “الحرة” في تحسين صورة الولايات المتحدة داخل العالم العربي، على الرغم من الميزانية الكبيرة التي خصصتها لها الإدارة الأميركية السابقة؟! ما السر الذي جعل دولة مثل تركيا في إمكانياتها البسيطة مقارنة بأميركا، تنجح في اختراق العالم العربي رغم أن تركيا تحمل على منكبيها إرثاً قاتماً، ومتورطة تاريخيّاً في ممارسة أساليب من الاستبداد والقمع على الشعوب العربية إبان سيطرة أجدادها العثمانيين على العالم العربي؟! هل الإسلام الذي يُعتبر الدين الرسمي لكل من تركيا والعالم العربي، ساهم في ترسيخ أقدام تركيا من جديد بتربتنا العربية؟!
البداية كانت من مسلسل “نور” الذي تابع حلقاته 80 مليون مشاهد في العالم العربي، وهو ما ساهم لاحقاً في ارتفاع نسبة السياحة داخل تركيا، لتهافت العرب على زيارة الأماكن التي تمَّ فيها تصوير حلقات هذا المسلسل الشهير. وشجّع بعدها الحكومة التركية بفضل مسلسلاتها ذائعة الصيت، على إنشاء قناة ناطقة باللغة العربيّة لمخاطبة المجتمعات العربية. وهو ما يؤكد أن الإعلام والفن مجتمعان، قادريْن على صياغة أدوار وتثبيت مفاهيم، تعجز أقوى الأنظمة وأفتك الدبابات في إحكام سيطرتها على العقول وفرض نفوذها بين الناس.
مسلسل “صرخة حجر” التركي المدبلج، دفع القضية الفلسطينية لسطح الأحداث، خاصة بعد تزعزع مكانتها نتيجة الانقسام الحاصل بين القيادات الفلسطينية. وقد أحدث المسلسل عند عرضه زوبعة سياسيّة بين إسرائيل وأنقرة، بسبب قوة أحداثه الدائرة عن معاناة الفلسطينيين اليوميّة في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي.
تركيا التي غابت طويلًا عن الساحة العربية، وكان البعض يُشكك في انتماءها الديني، تعود بقوة إلى الواجهة وترتفع شعبيتها في المنطقة العربية بفضل فنانيها. وأصبح الكثيرون ينظرون باحترام لسياستها في منطقة الشرق الأوسط.
هناك علامة استفهام كبرى ترتسم في ذهني… لماذا لم تستطع مسلسلاتنا العربية جذب انتباه شعوبها والانتقال خارج الحدود كما فعلت المسلسلات التركية المدبلجة؟! هل هذا يعود إلى أن المسلسلات العربية تجفل الاقتراب من المناطق المحرّمة، بعكس المسلسلات التركية التي استفادت من جرأة المسلسلات المكسيكيّة، وحرصت على قشع الأستار والتحدّث بصراحة متناهية عمّا يدور في الأبواب الخلفية؟! هل يعود السبب إلى تدخّل الرقابة الفنية العربية في أدق تفاصيل المسلسلات، كي لا تُنفّذ الحكومات تهديداتها وتقوم بفرض عقوبات قاسية لكل من يتطاول عليها أو يُحاول الاقتراب من سياجها؟!
هناك من يرى بأن بعض الفنانين العرب من نجوم الصف الأول، متورطون بشكل مباشر في ضآلة شعبية مسلسلاتهم، بسبب مطالبتهم بوجوب كتابة أدوار خاصة بهم، مما أدّى إلى خروج أعمال هزيلة مكررة في مضمونها لسقوطها في دائرة الفنان الواحد، وعدم الالتفات لنقل المشاهد الواقعيّة التي تزخر بها مجتمعاتنا، فيُدير المشاهد نظره عنها غير آسف عليها، بعد أن مل مواضيعها، رامياً نفسه في أحضان المسلسلات التركية المدبلجة، التي تُدغدغ أحاسيسه وتُلامس جدران واقعه.
الشفافيّة والصراحة والتعامل بمصداقيّة دون انحياز، هي العامل الرئيسي في نجاح أي فن، وجواز مرور مضمون للمجتمعات التي يحلُّ الفن ضيفاً في بيوتها. لذا يجب على حكوماتنا العربية أن لا تحشر أنفها في إعلامها وفي فنونها، وتدعها تُمارس أدوارها الحقيقيّة حتّى تُحقق الغاية المرجوة منها.
المال لا يكفي لتمرير سياسة وتثبيت أقدام، وإلا لنجحت أميركا في إرساء مطالبها من خلال قناتها “الحرة”! العقل العربي بحاجة إلى فنون راقية تطرق بابه بمهارة، وتحترم فكره، وتنحني لإنسانيته، ولا تستخف بذكائه الفطري!