نحنُ آخر من يعلم!
نحنُ آخر من يعلم!
الأحد 20/12/2009
في الوقت الذي لم تزل فيه مدينتي جدة تُلملم جراحها التي أصابتها بعد كارثة السيول التي اجتاحتها مؤخراً، اتجهت أنظار العالم بأسره إلى مدينة كوبنهاجن التي تمَّ فيها انعقاد مؤتمر قمة المناخ، لمناقشة الأخطار التي تُحيط بالأرض نتيجة عبث الإنسان بتربتها واستهتاره بصحتها!
رؤساء الدول العظمى اجتمعوا لوضع حلول طويلة الأمد للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، التي أدّت إلى ذوبان أجزاء من القطبين الشمالي والجنوبي. والتوجّس من ارتفاع منسوبي البحار والأنهار، مما سيُحدث تهديدا مباشرا للمدن الساحلية! وتعرّض الحياة البرية لانقراض عدد من الفصائل المهمة! إضافة إلى اتساع نسبة الجفاف مع قلة الأمطار، وانحسار البقع الزراعية وحدوث مجاعات عالمية
مدينتي جدة مشغولة هي الأخرى بمصيبتها! حيث بدأت تظهر فيها حالات من حُمى الضنك، نتيجة لظهور أنواع من البعوض الخطر على سطح البحيرات الراكدة التي خلّفتها مياه الأمطار، وتخوّف الكثيرين من ظهور أوبئة أخرى بسبب اختلاط مياه الشرب مع مياه المجاري في بعض المناطق المتضررة من مياه السيول!
عالمنا العربي مثل الزوج الساذج، آخر من يعلم بخيانة زوجته كما تعودنا في المسلسلات والأفلام العربية! نترك الحبل على الغارب حتّى تقع الفأس في الرأس، ثم نجلس بجوار الضحايا نبكي على ذكراهم ونتحسّر على أيامهم الجميلة!
في جدة اليوم كل مسؤول يرمي باللائمة على مسؤول آخر في الكارثة التي حلّت بمدينتي! وهي في صورتها الخارجية لا تختلف عمّا يجري في عالم اليوم، حيث الكل يرمي باللائمة على الدول التي أفرطت في إنتاج الغازات الملوثة، وفي استخدامها السيئ للطاقة، مما أدّى إلى اعتلالها، ووقوع تصدعات على سطحها، وانتشار للأوبئة، واتساع ثقب الأوزون الذي يُعدُّ عاملًا مباشراً لارتفاع حرارة الأرض!
من يرى المظاهرات التي خرجت في شوارع كوبنهاجن، للفت أنظار الزعماء المجتمعين حول خطورة ما يجري للأرض وانعكاسها على الدول الفقيرة، يشعر بأن الشعوب العربية تعيش في كوكب المريخ، ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بما يجري في هذه القمة المصيريّة!
تعليم الأفراد داخل مجتمعاتنا كيفية المحافظة على البيئة لم يعد ترفاً، بل أصبح مسؤولية وطنية، وضرورة ملحة لحماية الأجيال القادمة. ويُلاحظ الزائر إلى أوروبا وأميركا أن ثقافة الحفاظ على سلامة البيئة، غدت موجودة في ممارسة الفرد اليومية، من إلغاء الأكياس النايلون لتأثيرها السلبي على البيئة، إلى التقليل من استخدام السيارات، والحرص على وضع صندوقين للنفايات، واحد لمخلفات الطعام، والآخر لوضع علب الصفيح والنايلون حتّى يتم تكريرها في المصانع من جديد، وغيرها من الوسائل.
تابعتُ تقريراً مهما عن بعض الحلول الممكن تطبيقها لتلافي التلوّث الذي انتشر في العالم نتيجة الغازات والتجارب النووية، وقد علّق خبير عربي عليها بأن العالم العربي كما يمتلك مخزوناً كبيراً من النفط والغاز، لديه أكبر طاقة حراريّة شمسية، وأنه بإمكانه مستقبلًا توريد هذه الطاقة للعالم للاستعاضة عن الطاقة الأحفورية حماية للبيئة.
نحن أمناء على هذه الأرض، ولو كان كل فرد واعياً لما يجري في مدينته، لما آلت أوطاننا إلى هذا الدرك من الكوارث. مشكلتنا أننا لا نحس بالأخطار المحدقة بنا إلاّ بعد أن يعمَّ الخراب، وتقع المصيبة على رؤوسنا! لنلغي مقولة.. لن أصلح وحدي الكون!