الوزير اليتيم!!
الوزير اليتيم!!
لأحد 1/11/2009
مضت أكثر من أربعة عقود على حرب فيتنام، وما زالت بلاد العم “سام” تعتبرها غصة في حلقها، وذكرى مريرة في تاريخها، فقد خرجت منها مهزومة تلملم جراحها الملتهبة! وقد أخرجت هوليوود العديد من الأفلام التي دارت حول حرب فيتنام، وحصد بعضها جوائز الأوسكار، خاصة تلك التي تحررت من النظرة النمطية، التي كان يستخدمها أغلبية المخرجين الأميركان في تصوير الجندي الأميركي على أنه الملاك، الذي جاء ليخلّص شعوب الأرض من معاناتها.
الأفلام الهوليودية التي أنتجت في أواخر السبعينيات والثمانينيات عرضت الحرب بحياديّة تامة، بل بيّنت وبجرأة وحشية الجنود الأميركان على أرض المعركة، وكيف تخلوا عن إنسانيتهم في التعامل مع عدوهم، وهو ما أدّى إلى تعرّض الكثير منهم بعد عودتهم لبلادهم إلى حالات نفسية مستعصية العلاج، نتيجة المناظر الدموية اليومية التي مرّوا بها من ناحية، والقسوة المفرطة التي استخدموها لسحق المناضل الفيتنامي المدافع ببسالة عن أرضه.
تداعت هذه الأفكار في ذهني، عندما قرأت خبر اختيار حكومة المستشارة “أنجيلا ميركل” للشاب “فيليب روزلر” لمنصب وزير الصحة في ألمانيا. وهو بالمناسبة لم يتجاوز السادسة والثلاثين من عمره. وكالات الأنباء ذكرت أن هذا الوزير كان طفلا فيتنامياً يتيماً، أتى إلى ألمانيا دون اسم أو عنوان، حيث مات والداه في حرب فيتنام ووُضع في أحد الملاجئ، وكان محظوظاً حين تبنته أسرة من شمال ألمانيا، وهو بعد في شهوره الأولى ومنحته اسمها وأطلقت عليه اسم فيليب، ليُصبح أول وزير للصحة في ألمانيا من أصول فيتناميّة.
لم ينسَ فيليب جذوره، وعندما أصبح رب أسرة قرر التعرّف على جذوره، وبالفعل اصطحب زوجته إلى فيتنام، ليعود بعدها إلى ألمانيا ويحصل على درجة الدكتوراه. وعندما علم بتنصيبه وزيرا للصحة، قال بأن هذا يؤكد بأن ألمانيا بلد التسامح والتحرر والانفتاح على العالم.
ليس هناك شيء اسمه المستحيل في الجهة الأخرى من العالم، حيث معالم التحضّر المتمثلة في احترام آدميّة الإنسان دون النظر إلى أصله وفصله! فالمرء عندهم يضع حلمه نصب عينيه، ويسهر ليلا ونهاراً ليخرجه إلى النور ويُصبح حقيقة ماثلة بين ذراعيه، كون الإنسان يُقاس هناك بكفاءته وعلمه ومهارته على تقديم ما فيه النفع لمجتمعه، ولهذا يجد الطرق سالكة والمنعطفات آمنة، كي يصل إلى القمة دون أن يسلك طرقا ملتوية، أو يستند الى منكب فلان أو علاّن، أو يندب حظه العاثر كل مساء! بل ينام مطمئن البال لا ترجف جفونه من أن تمتد أيدٍ خفية في الظلام تدفعه إلى الهوة، أو تضع أمامه العراقيل بحجة أنه مجهول الهوية، وبالتالي لا يستحق أن يقعد على كرسي وزارة أو يحصل على منصب رفيع!
كل ما يحدث من قصص مضيئة حولنا في دول العالم المتحضّر، للأسف لم نتعلّم منها شيئاً! بل ما زلنا نلعنهم جهاراً، ونتهمهم بأنهم وراء كل بلوى تُصيبنا، ونتمسك بشراسة الخائف، بموروثات بالية لا تتناسب مع زماننا، ونختلف على أتفه المسائل، ونتباهى بأنسابنا ونعزز نعرتنا القبلية في أشعارنا وعلى صفحات جرائدنا وفي قنواتنا الفضائية، حتّى أصبح الإنسان العربي يُكال بكم الألقاب التي يحملها وليس بشهاداته وثقافته وعبقريته، فمتى نترك القشور ونتذوّق اللباب؟!