هل هناك خلل ما؟!
هل هناك خلل ما؟!
الأحد 27/9/2009
ماذا قدّمت مجتمعاتنا العربية للأجيال الجديدة؟! هل أدّت دورها على أكمل وجه في تهيئتها لمواجهة أعاصير الحياة؟! هل عبّدت الطرقات، ورمرمت الأرصفة، وأزاحت الأحجار، وردمت المستنقعات العفنة أمام الأجيال الصاعدة لتعيش آمنة داخل أوطانها؟! هل أجيال الغد غدت مُحصنة من تقلبات الزمن وعثرات الأيام؟! هل أصبحت الدروب سالكة أمامها لكي تُنتج وتفعل المستحيل من أجل تحقيق آمالها وبناء مستقبلها؟!
إذا كانت الأجيال الصاعدة تتمرّغ بالفعل في عز أوطانها، والمستقبل المشرق يفتح لها ذراعيه عن آخرهما، لماذا مظاهر العنف تتزايد يوما بعد يوم على أرضنا العربية؟! لماذا أضحت نبرة الخيبة تُغلف أصوات الأجيال الجديدة وهي لم تزل في بداية مشوارها؟! لماذا باتت تُطلق آهات موجوعة من حناجرها، وعيونها يسبح فيها الفزع ويربض فيها الرعب من ترقّب الغد المجهول؟! لماذا غدت الأجيال الصاعدة لا تُلقِ بالا لنصائح الآباء وترميها بطول أيديها في الفراغ، متمردة على منظومة الفضائل والقيم التي تربّى عليها آباؤها وأجدادها؟!
هناك من يرى بأن الانفتاح الذي وقع في العالم بأسره وحوّله إلى قرية كونية، نتيجة ثورة التكنولوجيا من قنوات فضائيّة وإنترنت وهواتف نقالة، جميعها كانت نذير شؤم على الأجيال الصاعدة، كونها أفسحت لها المجال لتعريفها على ما يجري وراء الأكمة، وأتاحت لها الفرصة كاملة لكشف المستور أمامها وإنْ كان في بلاد الواق واق! وهناك رأي مضاد يعتقد بأن ثورة الاتصالات شوّشت فكر الجيل الجديد وجعلته يعيش متخبّطاً وسط هذا الكم الهائل من الأخبار الصحيحة منها والمغلوطة!
إن الهوة تتسع بين جيل الأمس وجيل الغد، ودائرة العنف تتفاقم في أوساط الشباب، ونسمع عن قصص مأساوية تشمئز منها الأبدان، تورّط فيها شباب في بداية سن المراهقة. ونجد أن المعلم الذي كان مُبجّلا بالأمس ويكنُّ له طلابه كل التقدير والاحترام، وتجمع بينهما مشاعر أبوية دافئة، غدا مُعرّضاً للبطش والتنكيل والتطاول عليه، إذا ما قام بتوبيخ أحدهم، أو منحه علامة مُتدنية في الامتحان، أو حدّثه بطريقة غير لائقة أمام زملائه في قاعة الدرس!
هناك خلل في أمكنة معينة! يربض تحت سقف بيوتنا، وفي أروقة مؤسساتنا التربوية، وبمناهجنا التعليمية، ويندسُّ بوقاحة بين جدران حكوماتنا، وخلف مكاتب مسؤولينا! جميعها تكالبت على إحداث شرخ مزمن في فكر الأجيال الجديدة! فالبيت لم يعد ذلك المكان الآمن الذي يشبُّ فيه الطفل، حيث تلاشت منه الحميميّة وضعف الترابط الأسري. فالأب أضحى مشغولا باللهث خلف متطلباته الحياتيّة، والأم تبتلع ضعفها كل مطلع شمس مُدارية خيبتها في عدم استطاعتها توفير حاجيات بيتها مع غلاء المعيشة الآخذ في الارتفاع! ثم يأتي دور المؤسسات التعليمية التي تحشو الأجيال الجديدة منذ نعومة أظافرها على مجموعة من المناهج السقيمة التي أكل عليها الدهر وشرب. وضياع بوصلة التواصل بين المعلم وتلاميذه مع ضرب جرس آخر حصة في اليوم الدراسي وانصراف الجميع! إضافة إلى عدم تحفيز الأجيال الصاعدة على الإبداع والابتكار، وتربيتها ليلا ونهاراً على تقديس تراثها الديني بكل ما فيه من أغلاط وافتراءات وكذب، وتحذيرها من مغبّة النبش في محتواه أو التشكيك في وقائعه، حتّى نشأت أجيال حائرة متقوقعة على نفسها، تنبذ الآخر بكل ما فيه، تتوّجس من مبدأ التغيير ولا تؤمن بالتجديد والتطوير ولا تُتقن لغة الحوار، تُعبّر عن غضبها واستيائها باللجوء إلى لغة العنف التي لا تُجيد غيرها!
إنها تراكمات يا سادة يا كرام، ولكنها تراكمات لم تحدث بين يوم وليلة، بل هي حصيلة عقود طويلة من الجمود الفكري والقمع السياسي والتخلّف الحضاري! تراكمات تحتاج إلى أن تُعيد مجتمعاتنا بكافة مؤسساتها وهيئاتها وحكوماتها حساباتها، وأن تتشبث بشعاع النور الذي يتسرّب من ثقوب حجراتها الضيقة عسى أن يقودها لطريقها السليم، ليس من أجل نفسها، ولكن من أجل أجيالها القادمة.
العيش في الظلام والتقوقع على الذات، بحجة حماية عقول أجيال الغد من التلوّث الفكري ليس حلا سحريّاً أبديّاً! فالظلام الدامس وإنْ ساهم أحياناً في أن يواري مجتمعاتنا عن أعين الفضوليين، ومن نظرات الطامعين، سيُعرضنا ذات يوم لطعنات غادرة من حيث لا ندري.