المرأة وشريعة الغاب!!
المرأة وشريعة الغاب!!
الأحد 12/7/2009
يُقال بأن الحضارة البشرية تُقلّم همجية الإنسان، وأن مجتمعات الأرض كلما ازدهرت بعلومها وفنونها وآدابها، خفّت شراسة أفرادها، وغدوا أكثر وداعة، وأصبحوا أكثر قدرة في السيطرة على انفعالاتهم، والتعامل بتسامح مع زلاّت الآخرين. فهل هذا الكلام صحيحاً أم أن مضمونه عار من الصحة؟! وهل هذا الواقع ينطبق على الرجل تحديداً في تعامله مع كافة أمور الحياة، أم أن الأمر يختلف اختلافاً جذريّاً حين يتعلّق بالمرأة، وشؤونها الخاصة، وسلوكياتها اليومية؟!
من الملاحظ أن جرائم الشرف في عالمنا العربي في تزايد. وحوادث العنف المنزلي، والاعتداءات الجسدية، ومسلسل اغتصاب النساء في تفاقم، بالرغم من ارتفاع نسب التعليم، ومظاهر التكنولوجيا العصرية المتواجدة في كل مكان.
هل هذا يعني بأن مظاهر التحضّر التي تُحاصرنا من كل جانب، حوّلت الإنسان إلى النقيض، وجعلته أكثر شراسة في التعامل مع المرأة، وفي التدخّل بكل شاردة وواردة من أمورها الشخصية؟! هل ما يجري على أرض الواقع يؤكد على أن التحضّر في عالمنا العربي هو تحضّر شكلي، ليس له علاقة بالتحضّر بمفهومه الشمولي، بدليل أن ما يجري لم يُغيّر قيد أنملة في العقلية العربية البربرية الطابع؟! هل الخلل في مؤسساتنا التربوية والتعليمية التي تتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية، كونها لم تضع خطّا فاصلا بين الواجب من جهة، والحق والعدل من جهة أخرى؟! هل العادات والتقاليد الصارمة، هي الأخرى لها دور أساسي في تفاقم حوادث الشرف؟!
كل يوم تُطالعنا الصحف العربية بقصص مأساوية راحت ضحيتها فتيات في عمر الزهور، تمَّ قتلهن بوحشية على يد واحد من أقاربهن، ليخرج القاتل حرّاً طليقاً بعد أن يقضي فترة وجيزة في السجن، هذا إذا لم يتم الإعفاء عنه ليذهب دم الضحية هدراً!
لقد أثار مؤخراً في السعودية، مقتل فتاتين في عمر الزهور على يد أخيهما الذي لم يتجاوز العشرين من عمره، جدلا واسعاً في الشارع السعودي. وتناول الإعلام هذه القضية باهتمام بالغ، وخصص العديد من الكتّاب مقالاتهم للتحدّث عن هذه الحادثة البشعة، مطالبين بوجوب توقيع أقسى العقوبة على الجاني حتّى يُصبح عبرة لغيره.
القضية كانت لها جوانب أخرى، حيثُ اتهمت جمعية حقوقيّة داخل السعودية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بأنها تسببت في مقتل الفتاتين، وذلك بعد أن قبضت الهيئة على الفتاتين بتهمة الخلوة غير الشرعية، وبدلا من توبيخ الفتاتين والستر عليهما، قامت بفضحهما أمام أسرتهما وإيداعهما دار الرعاية الاجتماعية حتّى يأتي والدهما لاستلامهما، وهو ما أثار غضب الأخ ودفعه إلى الثورة لكرامته وارتكاب جريمته بدم بارد.
لا أدري حقيقة من الجاني في مثل هذه القضايا في بلداننا العربية! هل هو القاتل الذي يُريد الثأر لكرامة أسرته، أم المجتمع الذي يزرع في أعماق الذكر بأنه المغوار، الذي يجب أن يكون القاضي والجلاد في السيطرة على مقدرات المرأة، أم هي الموروثات الاجتماعية العقيمة التي جعلت المرأة مخلوقاً هشاً ضعيفاً لا حول له ولا قوة، من حق الجميع العبث بمقدراته، والتلاعب بمصيره؟!
بلا شك أن المرأة تحمل إرثاً كبيراً من استبداد واستعباد الرجل لها، يمتد لآلاف السنين، وهذا في رأيي يعود إلى بدء الخليقة، يوم هبطت أمنا حواء على الأرض، والتصقت بها التهمة المفتراة التي روّج لها الكثيرون، بأنها هي التي أغوت آدم وأخرجته من الجنة! لتقع بعدها أول جريمة على الأرض بسبب امرأة، على يد ابن من أبناء آدم، وتجرؤ قابيل على قتل أخيه هابيل ليفوز بالمرأة التي تنافسا على حبها. ومنذ تلك اللحظة والمرأة تدفع أثماناً باهظة لتّكفّر عن جريمة لم تكن لها يد فيها!
إن التاريخ يُعيد نفسه كل يوم، وكأن المرأة هي التي تقود العالم نحو الدمار، وهي بمفردها المتسببة في مصائبه! لقد حان الوقت لأن تتكاتف النساء ويقفنَ في وجه هذا الظلم الواقع عليهن، وأن يُطالبن بسن قانون عربي يخرج من جامعة الدول العربية، يتم بموجبه توقيع أقسى العقوبة على المتورطين في قضايا الشرف. قانون يحمي المرأة من هذا التسلّط والعنف غير المبرر. قانون يحمي المرأة من قوانين الغاب، وما أكثرها في عالمنا العربي.
أيها الشرف.. كم من الجرائم تُرتكب باسمك!!!