طفولة مستعبدة!
طفولة مستعبدة!
الأحد 11/1/2009
ليس هناك أجمل من أن يتذوّق الإنسان كافة مراحل حياته من الطفولة إلى الشباب إلى الكهولة إلى الشيخوخة دون عوائق أسرية أو حواجز اجتماعية! وكم من أطفال انتزعت منهم براءتهم دون ذنب اقترفوه باسم العرف، وكم من أطفال طُمست ضحكاتهم البريئة، وأُبعدوا عن لمس كل ما يتعلّق بعوالم طفولتهم باسم الظروف!
فماذا يحدث إذا انتهكت هذه البراءة بدافع الوصاية؟! وهل من حق أيٍ كان العبث بمصير طفل، أو له الحق بإلقائه في براثن المجهول بحجة أنه الأعرف بمصلحته؟! هل الموروث الاجتماعي له علاقة بما يجري من تجاوزات في حق الأبناء؟! هل انعدام الدفء الأسري داخل البيوت، جعل الأطفال يدفعون أثماناً باهظة؟!
مؤخراً وقعت حادثتان متشابهتان في تفاصيلهما، وإنْ اختلفتا في فصلي النهاية! الأولى وقعت في اليمن، حيث أثار زواج الطفلة “نجود” البالغة من العمر عشرة أعوام جدلاً واسعاً هناك، والتي تابعت قضيتها باهتمام وسائل الإعلام العالمية. وقد بدأت قصة الطفلة عندما أخرجها أبوها من المدرسة ليزوّجها لرجل عمره ثلاثة أضعاف عمرها. فكان يقوم بضربها والاعتداء عليها جنسيّا، لكنها استطاعت الهرب ولجأت إلى المحكمة بمساعدة محاميتها الناشطة في حقوق الإنسان التي نجحت في أن تحصل لها على الطلاق، بجانب تكريمها في حفل بنيويورك ومنحها جائزة امرأة عام 2008 بجانب نساء أخريات بارزات.
الواقعة الثانية جرت في السعودية، حيثُ منح أب ابنته البالغة من العمر ثماني سنوات لرجل في الأربعينيات من العمر، كبدل لسداد أموال كان يدين بها للعريس. وقد رفض أحد القضاة السعوديين إبطال عقد الزواج بناء على طلب تقدمت به أم الطفلة. مبررا القاضي حكمه بأن الأم ليست الوصية الشرعية على ابنتها، وأن للطفلة الحق في طلب الطلاق عبر المحكمة عندما تصل إلى سن البلوغ!
بقدر ما شعرت بالغبطة للنتيجة التي حصلت عليها الطفلة اليمنية، بقدر ما شعرت بالأسى على المصير الذي آلت إليه الطفلة السعودية، التي حُرمت من أبسط حقوقها، في التعايش مع مرحلة طفولتها! ولا أدري أي أبوة هذه التي تمنح الأب الحق في بيع ابنته مستغلا ورقة الشرع؟! وكيف يستبيح هذا القاضي لنفسه الحق في تقييد مصير طفلة لرجل، وهي لم تزل برعماً صغيراً يتفتح للحياة؟!
إن هذه الواقعة ستفتح المجال أمام الآباء الذين لا يخافون الله في بناتهم، إلى التلاعب بورقة حياتهن دون أن يجدوا من يقف في وجوههم ويردع أفعالهم. كما أن هذه الواقعة فيها استعباد لحرية الإنسان، فكيف إذا كان هذا الإنسان لم يزل طفلاً صغيراً ما زال يتلمّس طريقه!
أين منظمة حقوق الإنسان الأهلية من هذه الواقعة؟! كيف لم تُدن هذه الواقعة وتُطالب بإلغاء حكم هذا القاضي؟! أليس في هذا التصرف تجاهلاً لمكانة المرأة التي كرّمها الله ومنحها استقلاليتها الآدمية مثل الرجل تماما؟! أليس في هذه الواقعة التي تناقلتها وسائل الإعلام إساءة للسعودية، التي بدأت تشهد في الآونة الأخيرة انفراجاً واضحاً فيما يخص أوضاع المرأة السعودية؟!
أعجبتني إدانة جمعية حقوق المرأة السعودية المتمثلة في رئيستها “وجيهة الحويدر” لهذه الواقعة جملة وتفصيلاً، معتبرة أن هذا التصرف فيه عودة للعصور المظلمة. وكم تمنيتُ لو حذت لجنتا حقوق الإنسان الحكومية والأهلية في تبني نفس هذا الموقف الشجاع، والتنديد بحكم هذا القاضي ومطالبته بالرجوع عنه وتحرير الطفلة من براثن أب تاجر بابنته من أجل حفنة مال!
صحيح أن هاتين الحادثتين ليستا نادرتين وتتكرران كثيراً في أغلبية المجتمعات العربية والمسلمة، لكن هذا لا يعني أن تصمَّ المثقفات العربيات آذانهن عنها، بل يجب أن يُسخرّن أقلامهن ويرفعن أصواتهن لدحر هذه الظاهرة المرضية! وهي قبل أن تكون قضية إنسانية هي قضية رئيسية تتعلق بمستقبل الأجيال القادمة من الفتيات.
ليس من حق كل أب أن يكون وصيّا على ابنته! فالأب الذي لا يصون كرامة ابنته، يجب أن تنزع منه الوصاية دون فصال. لكن مشكلتنا في عالمنا العربي أننا نتمسك بظواهر الأشياء ونترك الأمور على علاّتها! فمتى نقف وقفة حازمة تجاه كل ما يُدمّر إنسانيتا ونسعى إلى حفظ آدمية رجالنا ونسائنا على حد سواء؟!