هل الكتاب في خطر؟!
هل الكتاب في خطر؟!
#
رفعتُ حاجبيَّ عجباً، وأنا استمع لأحد المثقفين وهو يقول واثقاً في ندوة ثقافية، إن نسبة قراءة الكتب في عالمنا العربي، تفوق بكثير ما يقرأه غيرنا من شعوب العالم! ولا أعرف حقيقة من أين حصل على هذه المعلومة المغلوطة، التي ربما كانت من صنيعة أفكاره وانبثقت من غيرته على المصير الغامض الذي آل إليه الكتاب هنا! أو ربما قرأ بالفعل نص الخبر في واحدة من المنتديات أو المواقع المنتشرة على شبكة الإنترنت التي تُعطي لنفسها الحق في قول ما تريد دون تدقيق!
حضرت صورة هذا الرجل في خاطري، وأنا أقرأ الإحصائيات الأخيرة التي تُشير إلى تراجع نسب الإقبال على شراء الكتب في العالم العربي مقارنة بالعقود الماضية، وأن هذا يعود إلى عوامل كثيرة من أهمها انتشار ثقافة الإنترنت، التي غدت جزءاً لا يتجزأ من الحياة العصرية، بجانب رواج ثقافة الفضائيات التي فرضت نفسها على كل بيت تقريباً بما فيها من مغريات لا تُقاوم!
أحرص كل سنة على زيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب لأتزوّد بالكتب الجديدة، فألاحظ أن كثيرا من الأسر المصرية تغتنم الفرصة لأخذ أبنائها للفرجة هناك. وأجد “أكشاك” الطعام والشراب مكتظة بالناس، إضافة إلى المقاهي التي تزدحم بشرائح من مختلف الطبقات. ويصل لسمعي تبرّم الكثيرين من ارتفاع أسعار الكتب، وعدم قدرتهم على شراء بعضها لغلاء ثمنها، خاصة إذا كانوا طلاّباً يبحثون عن مراجع مهمة مخفّضة السعر.
بلا شك أن ارتفاع تكلفة صُنع الكتاب في العالم، ساهم في غلو ثمنه. لكن هناك أيضاً عوامل أخرى أدّت إلى كساد الكتاب في عالمنا العربي. من أهمها أن ثقافة القراءة ليست عادة مغروسة في الإنسان العربي منذ حداثة سنه، ولا يشبُّ عليها، بل إن مجتمعاتنا لم تزل تنظر إليها كنوع من الترف الاجتماعي! إضافة إلى أن ضغوطات الحياة التي يمر بها كافة الناس، جعلتهم يعزفون عن شراء الكتاب، ولا يبدون حرصاً للحصول عليه. بجانب أن إيقاع الحياة السريع، جعل الفرد بالكاد يلتقط أنفاسه، ولا يمر في خاطره ولو لوهلة، أن يأخذ مكاناً قصيّاً لقراءة كتاب شيّق، أو يستظلَّ بشجرة وارفة مع كتاب ممتع، كما نرى مثل هذه الصور الاعتياديّة في أوروبا. بالإضافة إلى كم المتطلبات اليومية، التي لم تعد تتيح للفرد متسعا من الوقت ليقرأ ما يمر أمام عينيه، ويدخر طاقته في جلب لقمة عيشه، وتأمين مستقبل أسرته.
هل الحياة العصرية التي تقوم على الماديات، ساهمت في تقليص الجانب الروحي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقا بفكرة التأمل في جماليات الحياة، وبما تحويه مضامين الكتب من إبداعات فكرية؟! هل هذا يعني بأن مجتمعاتنا بريئة من تقليل أهمية الكتاب بين الأجيال الشابة؟! هل كان للإنترنت دور طاغ في انحسار الثقافة الورقية، كونه فتح آفاقاً واسعة على مصراعيها أمام الشباب الصاعد، لكي يُعبّروا عمّا في دواخلهم دون رقابة تُحاصر أفكارهم، أو عيون تُلاحقهم؟! هل القمع ومصادرة حرية التعبير الشائعة في عالمنا العربي، والتي طالت الكتاب ووصلت إلى حد منع انتشاره بل وشنقه إن لزم الأمر في ميادين عامة، أدّى إلى زهد الأجيال الجديدة في الكتاب؟!
من الملاحظ أن ظاهرة الأدب الروائي قد ساهمت في إنعاش سوق الكتب في العقد الأخير، لكن هذا من منطلق أن كل ممنوع مرغوب، ولا ينطبق على جميعها! وهو ما يستوجب على المؤسسات الثقافية دعم طباعة الكتاب، حتّى يتسنى للأفراد ذوي الدخل المحدود القدرة على شرائه. ووجوب اهتمام المؤسسات التعليمية بالمكتبات المدرسية، وتزويدها بالكتب على اختلاف توجهاتها، حتّى تتمكن الأجيال الناشئة من تمييز الغث من الثمين مع المطالعة المستمرة.
إن الثقافة لا تنفصم عراها عن الكتاب. صحيح أن هناك ثقافة سمعية، وثقافة بصرية، لكن القراءة لها نكهة خاصة، لا يُدركها إلا من غاص في عالمها، ومسَّ حبها شغاف قلبه. وأمم تقرأ يعني أن لديها وعيا وقدرة على تمييز طريقها. تُرى لماذا هذا الصمت المطبق على موت الكتاب؟! هل لأن القتل بات صورة متكررة على أرضنا العربية، أم لأن الأحاسيس تبلّدت مع كثرة فواجعنا؟!.