حقوق الإنسان مع العام الجديد!!
حقوق الإنسان مع العام الجديد!!
الأحد 21/12/2008
تزدحم عواصم العالم، في مثل هذا التوقيت من كل عام، بمظاهر الزينة مع قرب أعياد “الكريسماس”، وعيد رأس السنة، فتجد الأسواق مزدحمة بمختلف شرائح الناس، على الرغم من الأزمة المالية الخانقة التي يمر بها الجميع. محاولون إيجاد مكان للبهجة في قلوبهم حتّى تنعكس على وجوههم التي أنهكتها الضغوطات الحياتية القاسية، التي مرَّوا بها خلال العام الذي يقف على ناصية الطريق، ملوحاً بوداع لا رجعة فيه.
وقد تزامنت الاحتفالات مع إحياء العالم للذكرى السنوية الستين لحقوق الإنسان، الموافق العاشر من ديسمبر. وهذا يعني أن ستة عقود قد مرّت على إرساء الديمقراطية التي لا تنفصل عراها عن توفير الحرية والعدل والمساواة، وتحقيق الأمن والاستقرار، لكافة شعوب الأرض.
كثير من الناس يستهزئون بكلمة حقوق الإنسان حين تحضر سيرتها، بل ولا يتورعون عن نهش عرضها، والتشكيك في نصاعة سمعتها، وأنها شبح وهمي لا وجود له على أرض الواقع في أوطاننا العربية! وقد بنوا اعتقادهم على دلائل ثابتة مدموغة بالصوت والصورة، تؤكد على أن هناك انتهاكات صارخة في حق الإنسان العربي تُمارس في العلن وبشكل فاضح! وأن جلَّ الحكومات العربية متهمة اتهاماً مباشراً فيما آلت إليه أحوال شعوبها من مشاهد مخزية، كونها لا تُصغي لمطالب مواطنيها، وأن آخر اهتماماتها ينصب في الحفاظ على آدمية الأفراد داخل مجتمعاتها! بل إن هناك حكومات عربية متورطة في تعذيب مواطنيها بوحشية، وفي الحجر على فكرهم، وتقييد خطواتهم، كأنها تُعاني من مرض نفسي مزمن اسمه التلذذ بتنكيل الآخرين!
أعجبني تعليق جميل من صديق، حين تطرّق الأمر لعشق الأوطان، ووجوب التشبث بها، وعن مدى تطبيق قوانين حقوق الإنسان فيها، قائلاً بأننا نُهيم حباً بأوطاننا لكن أوطاننا للأسف لا تحبنا، ولا تغرينا بحبها، وأن وطني الحقيقي هو ذلك الذي أجد فيه راحتي.
فهل الانتهاكات الصارخة التي تقع يومياً في طرقاتنا العربية، جعلت الكثيرين يَعافون أوطانهم، ويُشككون في وجود شيء اسمه حقوق الإنسان على أرضهم؟! من الذي أوصل مجتمعاتنا العربية إلى هذه المنعطفات الخطرة؟! ومن الذي زرع آفة الشك، وزعزع جسور الثقة بين المواطن وحكومته؟! هل الخطأ يقع على الفرد العربي الذي تنازل عن حقوقه بكل بساطة، أم على مؤسساته الثقافية التي لم تُعلّمه كيف يدافع باستماتة وبوعي عن حقوقه؟! هل هناك فرق بين إرادة الشعوب، وفي قدرتها على التعبير عن احتجاجاتها، وإيصال اعتراضاتها؟!
لو طالعنا ما يجري على خريطة العالم، سنجد أن هناك إسقاطات تحدث حتّى في الدول المتحضّرة، لكن ثقافة الحقوق الرائجة هناك بين كافة شرائح المجتمع، والتمسك بالشفافية، والقدرة على التعبير في مناخ من الحرية الفكرية، جعل الحكومات الغربية تضع في اعتباراتها ردود أفعال شعوبها، حتّى لا تقلب الموازين عليها! ففي اليونان على سبيل المثال ما زالت المظاهرات الطلابيّة مستمرة في أثينا، نتيجة مقتل فتى في الخامسة عشرة من عمره، على يد شرطي بوسط العاصمة، وقد أتحدت نقابة المعلمين مع اتحاد العمال لدعم المظاهرات، إلى أن يتم وضع قوانين جديدة في سلك الشرطة لحفظ حياة المواطنين.
هذه الصور الجميلة جعلت كل عربي يُطلق زفيراً طويلًا متسائلًا. لماذا عندما تقع مظاهرة عندنا، تُستخدم أساليب قاسية لتفريقها؟! لماذا لا تحترم الحكومات العربية حق شعوبها في ممارسة ثقافة الاعتراض، ورفع نبرة الاحتجاج، على ما يقع في أرضها من تجاوزات؟! لماذا بالرغم من ثورة المعلومات التي فتحت الآفاق أمام الجميع دون استثناء، جعلت المسافة في المجتمعات العربية تزداد بُعداً يوماً بعد يوم عن رقعة الديمقراطية؟! لماذا إعلامنا العربي بات يتجاهل هموم المواطن العربي، وحصر أدواره في التطبيل والتهليل لحكوماته وإن كانت مستبدة، ظالمة؟!
إن بداية الطريق لحفظ حقوق المواطن في مجتمعاتنا العربية، يكمن في حقن الأجيال الجديدة بسائل الحقوق، وهو دور يقع على عاتق المؤسسات التربوية والتعليمية مجتمعة، ويبدأ من البيت إلى المدرسة فالجامعة. ومهما هللنا وغنيّنا وتغزلنا بحقوق الإنسان، لن تكون حقيقة ماثلة أمام أعيننا، إلا إذا بذرناها في أرض خصبة مؤهلة لأن تطرح ثمارها على المدى البعيد.