هل المرأة السعودية… مُغيّبة؟!
هل المرأة السعودية… مُغيّبة؟!
الأحد 7/12/2008
في منتدى “دافوس” الاقتصادي الأخير الذي عُقد بسويسرا، تحدّث “بيل جيتس” مؤسس شركة “ميكروسوفت” العالمية، عن ملاحظاته أثناء حضوره ندوة اقتصادية في السعودية. وكيف لمس بأمِّ عينيه ظاهرة الفصل بين الجنسين المفروضة فرضاً هناك، حيث جلس على جانب من القاعة الرجال، وجلس على الجانب الآخر بحر من السواد! وكان يقصد النساء اللواتي تلفعّن بنقابهن. مؤكداً على أن السعودية لن تتمكّن من الوصول إلى المنافسات الاقتصادية العالمية بحلول عام 2010 إلاّ إذا نجحت في توظيف نصف المهارات المعطّلة المتمثلة في النساء!
وافق يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي، اليوم العالمي للقضاء على العنف بكافة أشكاله على المرأة. وفي رأيي أن العنف لا يقتصر على الناحية الجسدية فقط، بل يشمل كذلك العنف المعنوي، كونه يخلق في أعماق المرأة اضطرابات نفسية قد تؤدي بها إلى الاكتئاب الشديد المُفضي إلى الجنون والمسبب لبعض حالات الانتحار.
ففي بلادي ما زالت المرأة تُعامل كقاصرة ضيقة الرؤيا، محرومة من أبسط حقوقها المدنية، وأقصد هنا حجبها عن المناصب العليا، التي وصلت إليها أختها في الدول الخليجية الأخرى. ومنعها من ممارسة حقها في حرية التعليم دون أخذ موافقة من ولي أمرها. وفي التوظيف دون إقرار مسبق من ولي أمرها. وفي السفر دون أخذ تفويض من ولي أمرها. بل ووصل الأمر إلى استخدام ولي الأمر سلطته في تفريق الزوجة عن زوجها لعدم تكافؤ النسب، وفي هذا عودة إلى العصبية التي نهى عنها الإسلام، بمعنى أصح لا تتحرّك المرأة قيد أنملة دون إشارة من إصبع واحد من هؤلاء!
دوماً أردد بأن المرأة هي وحدها القادرة على تغيير هذه الأوضاع المشينة في حقها، ومهما وقف الغرب في صفّنا، وطالب بإنصافنا. ومهما ارتفعت أصوات منظمات حقوق الإنسان، والاتحادات النسائية مُنددة بما يقع من جيف وظلم على المرأة السعودية في الداخل، فلن يقلب هذه الموازين، ويُصحح تلك الأوضاع سوى المرأة السعودية وحدها.
إن مشكلة المرأة في بلادي أنها غير واعية لحقوقها، مُغيّبة فكريّاً، ولا تُطالب بالتغيير سوى الشريحة المثقفة، وهي للأسف لا تمثّل الأرضية العريضة في مجتمع النساء، اللواتي تعوّدن على إلقاء همومهن في دائرة الحلال والحرام، من خلال الحرص على حضور الندوات الدينية التي تُقام عادة في البيوت، مُعطيات ظهورهن لأمورهن الدنيوية.
لفت انتباهي مقال جميل قرأته للكاتب عبد العزيز العلي، يقول فيه بأنه وهو يُتابع برامج الفتاوى التي تغصُّ بها الفضائيات العربية، تمنّى أن يسمع صوتاً نسائيّاً من بلاده يطرح أسئلة جوهرية حول قضاياها المصيرية وما أكثرها، بدلاً من إقحام الدين في صغائر أمورهن الحياتيّة!
وهنا أجد نفسي أوافقه على استحياء على رأيه، لأن المرأة في مجتمعاتنا ما زالت ترضخ للسلطة الأبوية، ويُسيطر عليها هاجس الخوف من ردود أفعال مجتمعها إن هي تمرّدت على واقعها، معتقدة أنها بمواقفها الجريئة ستجلب العار لأسرتها! دون أن تتوقف هنيهة وتُفكّر بأن تشبثها بحقوقها لا يخصها وحدها، وإنما هي مسؤولية تقع على عاتقها ستنعكس إيجاباً على الأجيال الجديدة من النساء، وتجعلهن مستقبلاً قادرات على التحكّم في مصائرهن باستقلالية تامة.
بل لا أخجل من القول بأنني كثيراً ما اصطدمتُ في المجالس النسائية مع شرائح متباينة من نساء مجتمعي، يتهمنني أنا وزمرة المثقفات من أمثالي بأننا نُغنّي خارج السرب المتعارف عليه! وأننا نُريد أن ندوس بأقدامنا على العادات والتقاليد، ولديهن قناعة تامة بأن ما يجري ما هو إلا مؤامرة غربية خبيثة!
لا يمكن للورد أن يتفتّح من دون أن ترويها أيدٍ عنيدة. ولا يمكن للتربة أن تُصبح خصبة من دون أن تحرثها أذرع قوية. ولا يمكن للسماء أن تهطل أمطاراً إذا لم تكن هناك سُحب داكنة محملة بالغيث الوفير. ولا يمكن للمرأة أن تقود حياتها رافعة رأسها بثقة، وهي ترى العيون من حولها تُحدّق فيها بريبة وشك، وتُشكك في مسلكها، وتضع العراقيل أمامها، متذرعة بأنها تطعن في رجولة الرجل، وتطمع في سحب البساط من تحت قدميه! إن هذه الثقافة المتوارثة تحتاج لمعاول نساء واعيات مؤمنات بقضاياهن لتغييرها، فهل هناك أمل، أم ما زال الطريق طويلا؟!.