رسالة اعتذار!!
رسالة اعتذار!!
الأحد 16/11/2008
عندما تناقلت وسائل الإعلام فوز “باراك أوباما” برئاسة أميركا، ألحت عليَّ فكرة إرسال رسائل اعتذار لكافة الأمهات العربيات اللواتي خذلتهن أوطانهن حين حرمت أبناءهن من حمل جنسياتهن! رغبت أن أقول لهن فيها بأن الأوطان التي تُضن على أبناء المواطنات بأبسط حقوقهن تُحيل بقصد أو من دون قصد إلى خلق عباقرة يعيدون بالنفع على الأرض التي شبّوا عليها!
نعم، ما زالت أغلبية البلدان العربية ترفض مع سبق الإصرار والترصّد منح الجنسية لأبناء الأمهات اللواتي شاءت أقدارهن أن يتزوجن من رجال على غير جنسياتهن، كأنها تبعث بهذا القرار المتعسّف رسالة تحذير لكل امرأة فكرت أن تطير بحلمها خارج وطنها، بمعاقبتها على قرارها الذي اتخذته حين اختارت رجلًا من غير جنسيتها!
هذا في الوقت الذي يصول ويجول الرجل العربي في كل مكان، لأن القانون في صفه وإنْ طال الزمان أو قصر! وله كل الحق في أن يُنجب أبناء من زوجات من مختلف الجنسيات، يتمتعون بكامل حقوق المواطنة منذ اللحظة التي يُولدون فيها.
لقد وصل”بارك أوباما” إلى البيت الأبيض ليس فقط لأن حزبه دعمه بكل قوة. وليس لأنه يحمل شهادات من أرقى جامعات العالم. وليس لأنه صلب الإرادة وقوي العزيمة. لقد نجح حقيقة لأن المجتمع الأميركي كان صادق النية برغبته في نبذ العنصرية، وفي دعوته إلى التسامح، وفي حرصه على إحداث تغيير جذري على أرضه.
لو كان “باراك أوباما” في بلد عربي وتوفرت له كل وسائل الدعم المادي والمعنوي لما حقق هذا النجاح الساحق في الحصول على أكبر نسبة من صناديق الاقتراع، بل لظل يتجرع في صمت نظرات الازدراء بمجتمعات تنظر بفوقية للغرباء المقيمين في أوطانها! ولعانى الأمرين من الكفيل الذي يستعبده! ولبقي يحمل عقدة لونه الأسود الوافد من جذور أفريقية! ولما أصبح اليوم رئيس أقوى دولة في العالم!
إن هذا التغيير الذي أدهش العالم بأسره، وجعله يفغر فاه إعجاباً بهذا الموقف الخارج عن المألوف، لم يحدث بين يوم وليلة، بل حصل من خلال خطة طويلة الأمد، كان عمادها المؤسسات التربوية والتعليمية والعلمية مجتمعة، التي لولاها لما ارتقى فكر الفرد الأميركي، ووصل إلى هذا المستوى من التحضّر الذي جعله يرفع قبعته لإنسان بسيط!
إنها صفعة قاسية على وجه مجتمعاتنا العربية، التي تتغنّى كل يوم بالقيم والمثل الحياتية، في الوقت الذي تفشل فشلاً ذريعاً عند كل امتحان تُواجهه يتعلق بكرامة الإنسان على أرضها.
لقد ظللت سنوات من عمري أشيد في كتاباتي بأبيات “أبو القاسم الشابي” الشهيرة (إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر) إلى آخر هذه الأبيات الجميلة. لكنني تخليتُ اليوم عن قناعاتي لإيماني بأن هذه الأبيات لا تنطبق على شعوبنا المقموعة التي لا حول لها ولا قوة، وإنما تنطبق على الشعوب المتحضرة التي ساهم حكامها وسياسيوها ومؤسساتها المختلفة في رفعتها واستقلاليتها.
في أوطاننا العربية يحدث العكس، حيثُ نتمسك بالعصبية القبلية، ونحث الفرد في مساجدنا على الغلو والتطرّف، ونُحفزه على التبعية والخنوع في مناهجنا التعليمية، ونحقنه بسائل العنصرية والأنانية ونبذ الآخر في قوانيننا الوضعية، ثم نقف عند النوافذ ونُشرّعها عن آخرها ونتغنى بعزتنا الزائفة، ونتباهى بتاريخنا العريق! قمة الجهل أن نستمر في الضحك على أنفسنا، ونتمادى في الغش!
إن اتهامات كثيرة أُلصقت بشعوبنا وهي بريئة من دم يعقوب! لأن المتلبسين الحقيقيين هم السياسيون الذين يتفننون في تدجين شعوبهم، حتّى غابت أدوارها وغدت مثل فريق “الكورال” الذي يقف خلف المطرب على خشبة المسرح مرددا ما يتغنّى به!
هناك أمهات كثيرات في أوطاننا العربية تقف غصة في حلوقهن لما يتعرّضن له من إجحاف في حق أبنائهن، وهذه معاناة مؤلمة ضمن قائمة طويلة من المآسي.
تُرى لو كانت أم باراك عربية، تعيش بيننا، هل كانت سترى ابنها يوماً عالي الهمة، ذا شأن عظيم؟! أشك في هذا، لأن في مجتمعاتنا العربية يُولد الطفل فذّا، ومع الوقت يتحول إمّا إلى قنبلة بشرية ليظفر بحور العين في الجنة، أو عاطل عن العمل يجلس على “المقاهي” يُغني ” يا ليل يا عين” وكلاهما واقع مر!!