زواج “الروبوت”!!
زواج “الروبوت”!!
الأحد 20/7/2008
إذا قُدّر لك أن تعيش حتّى عام 2050 فلا داعي أن تتوجّس من فقدانك لرفيق دربك في لحظة مباغتة. أو ينصبُّ تفكيرك في الانتحار بعد أن تكتشف أن حبيبك الذي أمضيتَ معه أجمل سنوات عمرك قد ضجر منك وقرر الابتعاد عنك. أو تدع الحزن يُسيطر على وجدانك لأنك تلقيّتَ ضربة قاسية “على قفاك” من أقرب الناس إليك. كما لن يكون هناك مبرر لأن تجفل من دخولك دنيا الشيخوخة، التي ترتبط بصقيع الوحدة، وبكم من الأمراض المصاحبة لها، والتي قد تؤدي إلى انفضاض الجميع من حولك.
العلماء حلوا لك هذه المعضلات، حيثُ بإمكانك بعد أربعة عقود من الآن، أن تشتري رفيق “روبوت”، تقوم بتفصيله على مزاجك، وتبرمجه على هواك، وبالمواصفات التي ترغبها. صديق “روبوت” لا يُصدّع رأسك بقائمة من الأسئلة المملة. ولا يُخضعك لاستجوابات يوميّة. ولا يُطالبك بتحديد خط سيرك منذ أن تفتح جفنيك عند الصباح وحتّى اللحظة التي تُطبقهما وأنتَ تأوي إلى فراشك ليلاً. ولا ينصب لك محكمة ليُقاضيك عن ماضيك وحاضرك وجملة نواياك المستقبلية. شريك مُسالم يُلبّي كافة احتياجاتك الشخصية دون أن يُعاتبك على زلاتك أو يُبدي أي نوع من الاعتراضات على تصرفاتك، وكل هذا بواسطة التحكّم بمفاتيح “الريمونت كنترول” الخاصة به.
هل بالفعل سيُصبح “الروبوت” عصا سحرية يحل بها كل فرد مشاكله الشخصية؟! هل يفلح الإنسان في تجميد عواطفه ووضعها في ثلاجة تبريد والتحكّم في درجاتها ثم إخراجها عندما تستلزم الحاجة؟! هل من الممكن أن يستغني الرجل عن المرأة، ولا يأبه بمفاتنها، ولا يكترث بوصالها، ويكفَّ نهائيّا عن ملاحقتها؟! وهل من الممكن أن تكتفي المرأة برجل “روبوت”، تبرمجه على مغازلتها طوال الوقت بعد أن يئست من رجلها الذي صارت تنتزع منه كلمات الحب انتزاعاً، ولكي تنام قريرة العينين، لا يُؤرّقها هاجس خيانته لها، أو يُوتّرها الشك من أن يتركها شريك عمرها لأجل امرأة أكثر شباباً منها؟!
يقول “ديفيد ليفي” الأستاذ بجامعة ماستريخت بهولندا، إن “الروبوت” سيُصبح في المستقبل القريب أكثر شبهاً بالإنسان من حيث المظهر والوظيفة والشخصية، وإن الإنسان بإمكانه مع الوقت أن يقع في حبه، بل ويُعاشره ويستطيع الزواج منه أيضاً!!
يدعم “ديفيد ليفي” نظريته بأن الإنسان الطبيعي يقع عادة في حب من يتوافق مع شخصيته، وبمن يشعر أنه يُبادله مشاعر الحب، وأن هذه العوامل من الممكن برمجتها في “الروبوت” لتتناسب مع متطلبات كل شخص رجلاً كان أم امرأة!
العالم “رونالد آركين” المختص في “الروبوتات” بمعهد جورجيا للتكنولوجيا في أطلنطا” يتساءل عمّا سيحدث مستقبلاً في حال توثقت العلاقة بين الإنسان وآلة “الربوت”، وانعكاساتها على النسيج الاجتماعي وعلى الحضارة الإنسانية بأكملها!
العلماء دوماً في أبحاثهم يلغون آدمية الإنسان، ويتجاهلون أن الإنسان هو كتلة من لحم ودم. وأن الإنسان- من الجنسين- مهما بلغت درجة تبرمه من شريكه، إلا أن دفء العواطف البشرية لا يُمكن أن يُوفرها له “الروبوت” حتّى وإن كانت جاذبيته
وتأثير سحر ابتسامته لا يمكن مقاومتهما! سيظل “الروبوت” يفتقد لحرارة الروح التي خلقها الله في كافة البشر.
صحيح أننا نُجمّل حجراتنا ببعض التماثيل المتقنة الصنع، المختلفة الأشكال والألوان، لكننا لا نُصاحبها، ولا نبثها لواعجنا، ولا نُطفئ بها ظمأنا للحفاظ على صاحب مخلص النوايا. وليس هناك أجمل من أن نشعر بآدميتنا بمساوئها وحسناتها، بأن نُشاطر أحباءنا ومعارفنا وأصدقاءنا أحزاننا وأفراحنا، وأن ندع ضحكاتنا ودموعنا تختلط معهم في احتفال جماعي.
الزوجة أو الزوج الصامت الذي لا يُناكف ولا يُجادل ولا يُحاور، سيحوّل الحياة إلى صقيع، وقد يُخرج صاحبه عن طوره فيُحطّم “روبوته” الذي أشتراه من أجل أن يُلبي كافة احتياجاته، وينصاع لأوامره، متحوّلا إلى كابوس يجثم على صدره!
الأنفاس الحارة التي نحس بها داخل بيوتنا، وضجيج الأصوات التي تهزُّ جدران حجراتنا، كلها تؤكد إنسانيتنا، تُحسسنا بأننا نتذوّق ثمرات الحياة التي اكتمل نضجها من مختلف الأشجار. لا تنساقوا على طول الخط لما يقوله العلماء. بين حين وآخر نحتاج إلى شيء من البدائية نُرطّب به جفاف حلوقنا!!